فالعلم الذي هو ضروري للداعية: هو العلم الشرعي الذي تقوم عليه الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله وأقوال الصحابة، وفضل هذا العلم وأهله معروفٌ غير منكور، نطق به القرآن الكريم ورفع شأنه، وأكدته السنة النبوية، وأمر الله بالتزوّد منه وطلب المزيد منه، فقال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114) وقال في بيان رفعة درجة العلماء: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من يرد به خيرًا يفقهه في الدين)) ولقد استشهد الله -تبارك وتعالى- بأهل العلم -وهو من هو في العلوّ والعظمة- على أجلّ مشهود عليه وهو توحيد الله عز وجل، وقرن شهادتهم بشهادته -سبحانه وتعالى- وشهادة الملائكة المقربين، وفي هذا تزكية لهم وتعديل وتوثيق؛ لأن الله تعالى لا يستشهد بمجروح، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
وأهل العلم لا ينفعون أنفسهم فقط، وإنما ينفعون غيرهم بما يرشدونهم إليه ويدلونهم عليه ويوصلونهم به إلى ربهم، فالناس كما قال الإمام أحمد -رضي الله عنه-: "إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب"؛ لأنهم يحتاجون إليهما في اليوم مرة أو مرتين، وحاجتهم إلى العلم بعدد أنفاسهم.
ومن أجل هذا اتفقت كلمة الأئمة الأعلام على أن الانشغال بطلب العلم، أفضل من الانشغال بنوافل العبادات، بهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وغيرهم من أئمة المسلمين، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، وإن الله تعالى وملائكته يصلون على معلمي الناسِ الخير)).