ولا يعير بما كان عليه من الكفر والشرك، ولا يذكّر بماضيه إلا أن يكون على وجه حمد الله وشكره وفضله عليه، كما قال تعالى عن المشركين {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (التوبة: 11) فإذا أحسنا نحن الدعاة عرض دعوتنا على الكافرين فقبلها منهم من قبلها، فقد صار أخًا لنا له ما لنا وعليه ما علينا، ومن الجدير بالذكر ونحن نتكلم عن الأصول التي يجب اتباعها في دعوة الكافرين.
من الجدير بالذكر: أنه لا يجوز لنا نحن الدعاة الحكم على مسلم بالردة عن الإسلام إلا إذا أعلن بنفسه هو أنه راجعٌ عن الإسلام، أو أن يكون قوله أو فعله كفرًا مخرجًا من الملة، ولا يُحكم عليه بالردة إلا من عالم فقيه ضليع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- شدَّد الوعيد في تكفير المسلمين فقال: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهم إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)) إن كان من قيل له: يا كافر كافرًا؛ فهو كافر، وإن لم يكن كافرًا فالكافر هو الذي رماه بالكفر. وفي هذا تحذيرٌ لشباب المسلمين من التسرع في التكفير؛ فإنه باب عظيم الخطر عظيم الضرر، فلا يجوز لنا أن نحكم على مسلم صدر منه قولٌ يحتمل الكفر أو فعلٌ يحتمل الكفر ويحتمل الإسلام- لا يجوز لنا أن نحكم عليه بالكفر، فقد نُسب إلى الإمام مالك -رضي الله عنه- قال: إن صدر عن مسلم قول يحتمل كفر من تسعة وتسعين وجهًا، ويحتمل الإسلام من وجه واحد حملته على الإسلام، والله -سبحانه وتعالى- قد اشترط في ردة المسلم ورجوعه عن الدين أن يشرح صدره بذلك، فقال: {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} وانشراح الصدر هذا غيبٌ لا يعلمه إلا الله، فلا يجوز إذا لأحد من الدعاة أن يكفر مسلمًا إلا إذا صرّح هو بانشراح الصدر بالكفر، واختار الكفر على الإسلام، وأثاره وأعلن بذلك، فحينئذٍ يرفع أمره إلى القضاء فيستتاب فإن تاب، وإلا قُتل ردة.