الداعية اتخاذ اللين والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى سبيلًا إلى عرض دعوته، والدليل على هذا ما وصَّى الله به -سبحانه وتعالى- موسى وهارون -عليها السلام- إذ قال لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43 - 44)، فمع طغيانه وقتله لذكور بني إسرائيل واستحيائه لنسائهم وسومهم سوء العذاب، إلا أن الله أمر الرسول -عليه السلام- أن يكون لينًا في عرض الدعوة عليه؛ لعلَّ اللين أن ينفعه فيتذكر ما ينفعه فيقبله ويخشى مغبة تكذيبه فلا يُكذب، وقد اختلف العلماء في تفسير القول الليّن الذي أمر الله تعالى به موسى وهارون عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} ما هو القول اللين؟ فضرب بعض المفسرين أمثلة للقول اللين، ولكن الراجح أن القول اللين الذي أُبهم هنا فُسّر في سورة النازعات في قول الله تعالى لموسى عليه السلام: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات: 17 - 19) فآيات النازعات مفسّرة للقول اللين المبهم في سورة طه، فإن أحسن ما يفسر به القرآن هو القرآن، {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} ما هو القول اللين؟ فسره الله تعالى في النازعات: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}.
وهذه الآيات التي فسرت القول اللين فيها دلالة على أن على الدعاة أن يعلموا أن الدعوة عرضٌ لا فرض {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فالدعوة عرض لا فرض، على الداعية أن يحسن عرض دعوته وسيقبلها الناس إن شاء الله تعالى، وليس له أن يفرض دعوته على الناس، ليس له أن يفرض رأيه أو يفرض مذهبه أو يفرض فكرته، ويلزم الناس بها، ليس للداعية إلا أن يحسن العرض وليس له الفرض، والناس بعد ذلك أحرار يختارون ما يشاءون لأنفسهم وحسابهم على الله، كما قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256)، وقال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا