وينبني على هذا الأصل وجوب التسليم بكل ما ثبت بالكتاب والسنة، واعتقاد عدم إمكان التعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وبيان ما تضمنته الأدلة النقلية من الحجة العقلية واعتقاد كفايتها في الدلالة على مسائلها، وجماع منهج أهل السنة في هذا الباب: أنهم لا يرون أمرًا يجب اعتقاده والإيمان به لم ترد به النصوص، كما أنهم لا يردون النصوص الثابتة بدعوى التعارض بين العقل والنقل، بل لا يُسلّمون بين التعارض أصلًا، يقول الإمام بن عبد البر: ليس في الاعتقاد كله من صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصًا من كتاب الله أو صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أجمعت عليه الأمة وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه، يسلم له ولا يناظر فيه، ويقول الإمام الزهري: من الله الرسالة ومن الرسول البلاغ وعلينا التسليم، ويقول الإمام أحمد: السنة عندنا آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هي الاتباع وترك الهوى، ويقول ابن سيرين: كانوا يرون أنهم على الطريق ما كانوا على الأثر.

أما الفطرة فهي في اللغة: الخلقة التي يكون عليها الإنسان في أول أمره، جاء في (الصحاح): الفطرة بالكسرة الخِلقة، وقد فطره يُفطره يفطره فطرًا أي: خلقه، والفطر الابتداء والاختراع، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعربيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها -أي: أنا ابتدأته"، وجاء في (لسان العرب): الفطرة الخلقة، أنشد ثعلب:

هوّن عليك فقد نال الغنى رجل ... في فطرة الكلب لا بالدين والحسب

والفطرة: ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به، وقد فطره يفطُره بالضم: أي خلقه، وقال ابن الأثير في (غريب الحديث): كل مولود على الفطرة، الفطر الابتداء والاختراع، والفطرة الحالة منه كالجِلسة والرِّكبة، والمعنى أنه يولد على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015