ولم يكتفِ الإنسان بتكريم الإنسان وتفضيله وتمييزه على الكائنات، بل حمَّله مقابل ذلك مسئولية عظيمة، وكلفه بتكاليف كثيرة، رتَّب عليها الجزاء الوفاق؛ حمّله مسئولية تطبيق شريعة الله وتحقيق عبادته، تلك المسئولية التي أبتْ سائر المخلوقات أن تحملها وأشفقت من حملها كما قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 72 - 73)، وكما جعل الله تعالى للإنسان حرية وإرادة وقدرة على التمييز بين الخير والشر، كذلك جعله مجزيًّا يوم القيامة بما اختار لنفسه في الدنيا من الخير أو الشر، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 8)، وجعل الله تعالى مسئولًا عن الحواسّ التي وهبه إيَّاها؛ ليتفكر بها في خلق الله -عز وجل- فقال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36)، هذا الشعور بالمسئولية يُربِّي في نفس الإنسان الوعي واليقظة الدائمة، والبعد عن المزالق وعدم الاستسلام للأهواء والعدالة، والبُعد عن الظلم والبغي، والاستقامة في كل سلوك الإنسان وشئونه.
كذلك قرَّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- مسئولية الإنسان عن ماله وعن عمره وعن شبابه وعن علمه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)). وجماع المسئوليات مسئولية الإنسان عن عبادة الله -عز وجل- وتوحيده وإخلاص العبادة له وحده كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا