وزوَّد الله -تبارك وتعالى- الإنسان بكل الحواس التي يستطيع بها أن يتعلم ما أمره الله به أن يتعلمه فقال عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78) فالسمع معناه إحراز المعرفة التي اكتسبها الآخرون، والبصر معناه تنميتها بما يُضاف إليها من ثمرات الملاحظة والبحث، والفؤاد معناه تنقيتها من أدرانها وأوشابها ثم استخلاص النتائج منها، وهذه القوى الثلاث إذا تضافرت بعضها على بعض نتجت عنها المعرفة التي منَّ الله بها على بني آدم، والتي بها وحدها استطاع الإنسان أن يهزم سائر المخلوقات ويسخرها لإرادته، ولقد عاب الله -تبارك وتعالى- أقوامًا لم ينتفعوا بهذه الحواس التي وهبهم الله -تبارك وتعالى- إيَّاها، وتوعدهم على إهمالها بالنار فقال عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: 179).
من أهم أهداف التعلم عند الإنسان والفكر: أن يتعلم الإنسان شريعة الله -عز وجل- كما قال الله تعالى حكاية عن الأبوين إبراهيم وإسماعيل أنهما دعوا الله ربهما: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيم} (البقرة: 129)، كما أن من أهم الأهداف التي وُهِب الإنسان من أجلها هذه الحواسّ أن يتفكّر في نفسه وفي الكون من حوله، فإن الله -تبارك وتعالى- أمر بذلك فقال: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: 20 - 21)، وقال سبحانه: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (الغاشية: 20).