بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19) وقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (الأنعام: 90).
فهذه الآيات كلها بيَّنت أن رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- رسالة عامة للعالمين، لا تختصّ بقومٍ دون قوم ولا بجنسٍ دون جنس، بل هي للعالمين كافة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الآيات التي تحدَّثت عن عالمية رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها مكية، أي: نزلت في أول الوحي وفي أول الرسالة، وبيَّنت أن محمدًا مبعوث من الله -تبارك وتعالى- ومرسل إلى الناس كافة، وأنه لن يجيء الناس بعد رسول الله محمد رسول ولن ينزل عليهم بعد القرآن كتابٌ من السماء، فالله -تبارك وتعالى- ختم النبوة بمحمد -صلى الله عليه وسلم، فالقارات الخمس إلى قيام الساعة لن يطرقها من السماء طارق ولن يجيئها من عند الله رسول، وسيبقى كتاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وحده صوت السماء بين الناس، إلى أن يُحشروا للحساب فيقال لهم: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون} (الروم: 56)، وآية صدق ذلك أنه قد مضت على بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر قرنًا وما نزل من السماء وحي ولا بُعث في الناس رسول، فهذه آيات من آيات صدق النبي -صلى الله عليه وسلم، وأن رسالته عامة وأنه خاتم النبيين.
وإنما لفتنا النظر إلى أن الآيات التي قرأناها آنفًا في الاستدلال بها على عالمية رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- لفتنا النظر إلى أنها كلها مكية؛ لندحض بذلك فريةً افتراها بعض المستشرقين، فزعموا أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بدأ عربي الرسالة معنيًّا بقومه وحدهم، فلما نجح في إخضاعهم أغراه النجاح بتوسيع الدعوة فزعم أنه للخلق كلهم، وهذا تفكير متهافت بين السخف؛ فقد رأيت بالاستقراء أن عالمية الرسالة تم التصريح بها في أوائل ما نزل من الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.