أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فالأعرابي استدلَّ بسمت رسول الله ووجهه المنير الكريم الذي يكون عليه أهل الصدق والأخلاق الكريمة، استدلَّ بذلك على صدقه فيما يدعو إليه -صلى الله عليه وسلم.
أصول السيرة الحسنة:
762- وأصول السيرة الحسنة التي بها يكون الداعي المسلم قدوة طيبة لغيره ترجع إلى أصلين كبيرين: حسن الخلق، وموافقة العمل للقول، فإذا تحقق هذان الأصلان حسنت سيرة الداعي، وكانت سيرته الطيبة دعوة صامته إلى الإسلام، وإن فاته هذان الأصلان ساءت سيرته، وصارت دعوة صامتة منفِّرة عن الإسلام، فليتَّق الداعي ربه في هذا الأمر الخطير، ولا يكون منفِّرًا عن دين الله بسيرته، وهو يريد الدعوة إليه بقوله.
الأصل الأول للسيرة الحسنة:
763- الأصل الأول هو حسن الخلق، وقد تكلَّمنا في فصل سابق عن نظام الأخلاق، كما تكلمنا عن أخلاق الداعي، فلا نعيدهما هنا، وإنما نحيل عليهما، وما ذكرناه هناك يقال هنا في تجلية في الأصل، ونحب أن نكرر ونذكِّر هنا بخلق الصبر والعفو، فإنَّ الداعي لا بُدَّ أن يكون حليمًا صبورًا على الأذى؛ لأنه لا بُدَّ أن يحصل له أذى أو مضايقات، فإن لم يحلُم ويصبر كان كما يقول ابن تيمية: "ما يفسد أكثر مما يصلح"، ولهذا قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ، {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ولهذا أمر الله الرسل -وهم أئمة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر- بالصبر، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} ، بل إنَّ الصبر مقرون بتبليغ الرسالة، مما يدل على أهميته ولزومه للداعي إلى الله، فإنَّ أول ما أنزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بلِّغ بالرسالة سورة {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وفيها: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} 1، فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، وختمها بالأمر بالصبر، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، علم أنه يجب بعد ذلك الصبر2.