من أئمة النفاق لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه تستلزم إزالة معروف أكبر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه1.
القاعدة الثانية:
757- كره المنكر لا رخصة فيه، وإزالته حسب القدرة، ومما يجب أن يُعْلَم جيدًا أنَّ كره المنكر يجب أن يكون تامًّا كاملًا؛ لأن الأصل في المؤمن أن يكون حبه موافقًا لحب الله، وبغضه موافقًا لما يبغضه الله، وأيّ نقص في هذه الموافقة في جانبيها، أو في أحد جانبيها، مرَدُّه نقص الإيمان قطعًا؛ لأنَّ بعض المنكر في القلب لا ضرر فيه مطلقًا، فمن لم يفعله -أي: لم يكره المنكر بقلبه- كان ذلك دليلًا على ضعف إيمانه، بل وموت قلبه وعدم إيمانه؛ لأنَّ الحديث ورد في آخره: "ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"، بعد أن ذكر مراتب تغيير المنكر باليد واللسان والقلب. أمَّا إزالة المنكر باليد -أي: فعلًا- فهذه تكون بحسب القوة والقدرة، فإنَّ الله تعالى لا يكلِّف نفسًا إلّا وسعها، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، ومتى كانت كراهية القلب للمنكر كاملة، وإرادته للتغيير كاملة، وفعل المسلم منها بحسب قدرته، أو لم يفعل لعجزه، فإنه يُعْطَى ثواب الفاعل.
القاعدة الثالثة:
758- الاستعانة ببعض المباح لتغيير المنكر، والأصل في ذلك مشروعية تأليف القلوب حتى تقبل الخير وتقلع عن الشر، ولو كان هذا التأليف بمالٍ يبذل، وقد روي عن الإمام الفقيه عمر بن عبد العزيز أنه قال: "والله ما أستطيع أن أخرج لهم شيئًا من أمر الدين إلّا ومعه طرف من الدنيا أستلين به قلوبهم، خوفًا أن يتخرق عليّّ منهم ما لا طاقة لي به"2، وعلى هذا يجوز للداعي أن يعوّض المتلبس بالمنكر بشيء مباح جزاء تركه أو تغيره فعلًا، كما لو كان له ولد أو صديق يلعب القمار، فيعوضه بتخصيص جائزة له على سبق غيره في مباح؛ كركض أو فروسية أو رمي، أو حفظ ما يستحب