الطاعة والمشاورة:
723- ولا يعني قولنا بلزوم الطاعة ترك المشاورة، فإنَّ الرئيس يجب عليه أن يشاور أفراد الجماعة، وقد قال العلماء: "لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-1، كما أنَّ لأيِّ فرد أن يبدي رأيه على الرئيس، وعلى الرئيس أن يسمعه -وإذا كان صوابًا أخذ به، يدل على ذلك ما جاء في السيرة النبوية "أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى مكَّة يريد العمرة في السنة السادسة للهجرة، فاستعدّت قريش لمنعه من الدخول، فأراد -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل عمر بن الخطاب إليهم؛ ليخبرهم بقصد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء لزيارة البيت لا للقتال، فقال عمر -رضي الله عنه: يا رسول الله، أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل أعز بها مني: عثمان بن عفان، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفَّان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنَّه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرًا البيت ومعظمًا لحرمته"2.
يسع الفرد ما لا يسع الجماعة:
724- وليكن معلومًا أنَّ ما يسع الفرد فعله قد لا يسع الجماعة أن تفعله، يدل على ذلك قصة أبي بصير الذي أسلم وجاء إلى المسلمين -وهم في الحديبية، وقد أبرموا الصلح مع قريش- يريد أن يئووه ويحموه من قريش، فأبى المسلمون ذلك لارتباطهم بمعاهدة الحديبية التي أمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فأخذ المشركون أبا بصير، ولكنَّه انفلت منهم وأخذ يقطع الطريق على قوافل قريش، وكان فعله مؤثِّرًا ومضايقًا للمشركين، ونافعًا للمسلمين، وسائغًا له أن يفعله، بينما ما كان هذا الفعل سائغًا لجماعة المسلمين، وإن كان الفعل بنفسه مفيدًا للمسلمين. وقد فقه المسلمون هذا المعنى، فلم يطلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يشتركوا مع أبي بصير في عمله النافع؛ لأنهم أفراد في جماعة المسلمين، يلتزمون بما تلتزم به الجماعة، بينما كان أبو بصير مسلمًا سائبًا، والفرد السائب يسعه ما لا يسع الفرد في الجماعة، وعندما أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن