والقراءات. لكل واحد من هذه المهيجات إذا أهاج شهوتك دفعك نحو المعصية وأنساك ذكر الله، فمن المناخ الملائم لجراثيم المعاصي النساء الكاسيات العاريات، والغناء الفاحش القبيح، والمخالطات المحرَّمة، وارتياد محلات أهل الغفلة، وسماع كلام أهل الدنيا، كل هذا وأمثاله يقوي جرثومة المعصية حتى تكون هي القاهرة الغالبة، بعد أن كانت مقهورة مغلوبة، وبالتالي يواقع المعصية وينغمس فيها، أما المناخ الملائم لإضعاف جرثومة المعصية، فهو كل شيء يقوي فيه معاني الإيمان، والعلم الحق بالله واليوم الآخر، ويبصرك طريق الآخرة. فصحبتك للطيبين العاملين للإسلام الداعين إلى الله من أكبر الحصون لنفسك ولإيمانك، وبالتالي لإضعاف جرثومة المعصية. وأخيرًا، فإنَّ من الوقاية أن لا يستصغر المسلم ذنبًا مهما كان صغيرًا، فإنَّ الحزمة من الحطب تتكون من عيدان. وأن لا يعرِّضَ نفسه إلى ما يضعف إيمانه ويقوي فيه جرثومة المعصية اعتمادًا منه على قوته وعافيته، فليس من العقل أن يعرِّض الإنسان نفسه لجرثومة السل، ويغشى محلات المسلولين، بحجة أنه قوي صحيح البدن.
موقف الداعي من العصاة:
638- الداعي ينظر إلى العصاة نظرة إشفاق ورحمة، فهو يراهم كالواقفين على حافِّة وادٍ عميق سحيق في ليلة ظلماء، يخاف عليهم من السقوط، ويعمل جهده لتخليصهم من الهلاك. وهو في سبيل هذا الغاية يتجاوز عن تجاوزهم على حقه إن كانت معصيتهم في حقه، ولا يعيرهم ولا يشمت بهم، ولا يحتقرهم افتخارًا بنفسه عليهم وإدلالًا بطاعته، ولكن له أن يستصغرهم لمعصيتهم وتجاوزهم حدود الشرع، وأن يغضب لهذا التجاوز، قالت عائشة -رضي الله عنها: "ما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه قط، ولا نيل منه شيء فانتقم لنفسه إلّا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله". ومن محارم الله التي يغضب لها المسلم محاربة العصاة الدعوة إلى الله والصدِّ عن سبيله وإلحاق الأذى بالدعاة حتى يمتنعوا عنه القيام بواجب الدعوة، ففي هذه الأحوال ونحوها يجوز للداعي أن يسلك مع هؤلاء العصاة ما يكفّ به ضررهم عن الدعوة والدعاة بالقدر الذي يبيحه الشرع، على أن لا يتجاوز هذا القدر، وأن يتوسَّل بالأسهل فالأسهل من وسائل كفِّ ضررهم، مع رغبته التامّة في هدايتهم وصلاحهم.