3- قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} والمترفون هم "الملأ"، وجوابهم على دعوة رسل الله أنَّهم وجدوا آباءهم على ملة ودين، وأنَّهم مقتفون أثرهم لا يحيدون عن ذلك، وهذا من جهلهم؛ لأن الباطل لا يتابع، وأنَّ الحق أحق أن يُتَّبَع، وهذا التقليد الذميم للباطل القديم الذي كان عليه الآباء والأجداد من أعظم أسباب التمرُّد على الحق، قال تعالى في داء التقليد الذميم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} 1.
4- وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} 2. "الملأ" من قوم فرعون يعتبرون موسى نبي الله والداعي إليه وأتباعه المؤمنين مفسدين في الأرض، ويؤلبون فرعون على مقاومتهم والقضاء عليهم؟
إن جهلهم مع كبرهم وحبهم للرياسة والجاه جعلهم يعتبرون موسى مفسدًا في الأرض.
الملأ هم الملأ في كل مكان وزمان:
603- والملا بأوصافهم وأخلاقهم التي بيَّنَها القرآن الكريم يوجدون في كل مجتمع، وفي كل مكان وزمان، ولهذا فهم يقفون غالبًا في وجه كل دعوة إلى الله تعالى، ويحاربونها بدافعٍ من الكبر الذي يغشى نفوسهم، وبدافع حب الرياسة على الناس، وخوفهم من أن تسلبهم هذه الدعوة الإصلاحية مركزهم ومكانتهم وترفهم، ومما يدل على بقاء الملأ في كل زمان ومكان معارضين لكل دعوة طيبة خيرة تريد الإصلاح وإيصال الناس إلى خالقهم، إنَّ الدوافع التي دفعت الملأ من الأقوام الماضية إلى محاربة رسل الله والدعوة إليه، هي نفسها توجد في نفوس الكبراء والمترفين، فالكبر يعلق في النفوس المريضة والحرص على الرياسة والجاه والمنزلة، موجود في النفوس، وإنما ينقمع بالإيمان، والجهل يخيِّم على مثل هذه النفوس التي تعشق العلوَّ في الأرض