اصول الدعوه (صفحة 382)

ويستغرب من دعوتهم، ويدَّعي أن آية كذب الرسول أنه من البشر، وأنَّهم -أي: الملأ- أولى بالرسالة ممن أرسلوا؛ لأنهم -الملأ- أكثر مالًا وأعز نفرًا، وأنَّ الرسل الكرام يريدون تحويلهم عن ملة آبائهم، ويأتونهم بدين جديد ما سمعوا به من قبل، وأنهم -أي: الملأ- يسخرون ويستهزئون بالمؤمنين، زاعمين أنهم لا يفهمون ولا يعلمون، ولهذا اتبعوا الدعوة إلى الله واتبعوا رسل الله بلا رؤية ولا تمحيص ولا تأويل، بينما هم لم يفعلوا ذلك؛ لأنهم سادة أشراف يفهمون ويعقلون ويدركون.

وأنهم يحسبون الأنبياء الكرام مفسدين في الأرض، وأنهم -أي الملأ- هم المصلحون المدافعون عن دين الناس وحقوقهم، وأنهم في سبيل هذا الدفاع سيحاربون الأنبياء والدعاة إلى الله تعالى. وهذه بعض آثار جهالتهم وحماقاتهم، أخبرنا الله تعالى بها في آيات كثيرة، وهي من أسباب ضلالهم وحماقاتهم، وهي من أسباب ضلالهم وعدم انتفاعهم بهدي الله تعالى، فمن ذلك:

1- قال تعالى عن قوم نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ، فهم لجهالتهم يقولون لنبيهم نوح -عليه السلام: لست بمَلَك ولكنك بشر، فيكف أوحي إليك من دوننا؟ ثم ما نراك اتبعك إلّا الذين هم أراذلنا، ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منَّا، وهذا كله من جهالتهم، وإلّا لو كان لهم عقل لعلموا أن لا بدَّ أن يكون الرسول من البشر حتى يمكن أن يخاطبهم، ويمكن لهم أن يفهموه، كما أنهم لو كان لهم عقل سليم لعلموا أنَّ الحرمان والفقر والضعف لا علاقة لشيء منها في أمور الديانة، وأن الضعفاء والفقراء باتباعهم الحق يبرهنون على حسن إدراكهم وصفاء نفوسهم.

2- وقال تعالى عن قوم ثمود وما قالوه لنبيهم صالح: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} 1، فالملأ من ثمود كانوا مصرِّين على جهالتهم وإنكارهم نبوة صالح -عليه السلام، وإنما سألوا المؤمنين سؤال متكبِّر جاهلٍ لا سؤال متفهم متواضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015