كله من نتائج كبرهم النفسي الذي جعلهم يقلبون الحقائق، ويأنفون عن الحقِّ بحجة أن الأراذل اتبعوه، وفاتهم أنَّ الحق في نفسه يبقى حقًّا، سواء اتبعه الضعفاء والفقراء أو القادة والرؤساء، وأنَّ أتباع الحق في الحقيقة هم الأشراف ولو كانوا فقراء، وأن الأراذل في الحقيقة هم المعاندون المخالفون للحق وإن كانوا في أعين الناس من الأشراف.
6- وقال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ، فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ، فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} ، وفرعون وملؤه استكبروا عن اتباع الحق فجحدوا وجاءوا بهذه الجهالات تبريرًا لكفرهم، وفرعون هذا هو الذي أدَّى به كبره إلى ادِّعاء الألوهية وشيء من الربوبية، قال تعالى مخبرًا عنه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ، {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} .
7- وفي السيرة النبوية أنَّ الملأ من قريش قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: لا نرضى أن نكون مع هؤلاء -يعنون: ضعفاء المسلمين مثل صهيب وعمار وبلال وخباب- فاطردهم عنك ولا تبقهم في مجلسك إذا دخلنا عليك، فإذا فرغنا من الحديث معك والسماع منك وخرجنا فأدخلهم إن شئت، فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ، وقال تعالى عن أولئك المتكبِّرين المتعجرفين الذين طلبوا ما طلبوا: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 1.
8- وقال تعالى عن المتكبرين عن رسالة الإسلام والإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 2.
ومعنى هذه الآية الكريمة: إنَّ المعترضين على القرآن الكريم المتكبرين عن الإيمان به والتصديق بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا: هلَّا كان إنزال القرآن على رجل كبير في أعينهم