فقد قاوموا دعوة الرسل الكرام إلى الله تعالى، وكانوا هم الذين يتولَّوْن كبر المقاومة الأثيمة للدعوة إلى الله، ويقودون حملة الكذب والافتراء والتضليل ضدَّ أنبياء الله تعالى، يدل على ذلك قول ربنا -تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} 1، يخبر الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية الكريمة رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مسليًّا له أنه ما أرسل من رسول إلى قرية إلّا قال مترفوها -وهم أولو القوة والحشمة والثروة والترف والرياسة، وقادة الناس في الشر: لا نؤمن به ولا نتبعه2، وقال تعالى عن سيدنا نوح -عليه السلام: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 3، فالملأ من قوم نوحٍ هم الذين تصدَّوا للدعوة إلى الله، وهم الذين نسبوا نبيهم إلى الضلال المبين، وهذا من أعظم الظلم، والصد عن سبيل الله إذ يوصف الحق الذي جاء به نوح من ربه بالضلال، ولكن هذا هو منطق الملأ، وكذلك كان موقف الملأ من قريش من دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قاوموا هذه الدعوة المباركة، وآذوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورموه بالكذب، وتآمروا به، قال تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ، أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ، وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} 4.
والملأ في الآية الكريمة هم سادة قريش وقادتها ورؤساؤها وكبراؤها، قالوا لقومهم: استمرّوا على دينكم ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد -صلى الله عليه وسلم- من التوحيد5.
وفي السيرة النبوية الشيء الكثير عن موقف الملأ من قريش وغيرهم من الدعوة إلى الله، التي بلغهم إياها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما ذكره ابن هشام في سيرته من