الاستجابة إلى الحق وقبول الدعوة، فمنهم السريع جدًّا في الاستجابة، ومنهم البطيء جدًّا، ومنهم بين هذين الحدَّين في درجات كثيرة جدًّا تستعصي على العدِّ والإحصاء، فمن الناس من يؤمن حالًا وبدون تردد أو تلكؤ أو تعثر، حتى كأنه ينتظر سماع الدعوة ليؤمن، ومن أمثلة ذلك إيمان أبي بكر الصديق وإيمان السحرة بموسى، أمَّا إيمان أبي بكر فقد أخبر عنه رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلّا كانت فيه عنده كبوة ونظرة وتردد، إلّا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة، ما عكم -أي: ما تلبَّث- حين ذكرته له وما تردد فيه" 1، أمَّا إيمان السحرة فأعني بهم السحرة الذين جاء بهم فرعون مصر لإبطال معجزة موسى -عليه السلام، وأخبرنا الله تعالى بقصتهم وإيمانهم، قال تعالى: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ، قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} ، فأولئك السحرة جاءوا لينصروا باطل فرعون وكفره، ويقاوموا دعوة موسى نبي الله، ولكن ما إن رأوا المعجزة وعلموا أنَّها ليست من السحر الذي تعلَّموه، وإنَّما هي من عند الله، ودليل صدق نبيه الكريم موسى -عليه السلام، أقول: ما إن رأوا ذلك حتى آمنوا حالًا وأعلنوا إيمانهم صراحة، بما يدل على عِظَم الإيمان، وقوة نوره الذي دخل قلوبهم وبدَّد كل باطل فيها، حتى هتفت ألسنتهم وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} ، ولمَّا هدَّدَهم اللعين بما هدَّدَهم به قالوا: {لَا ضَيْر} ، أي: لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا، فإن عذابك ساعة فنصبر لها، ثم نلقى الله ربنا مؤمنين، ونحن نرجوا ونطمع أن يغفر خطايانا السابقة، فإنَّنَا بادرنا إلى الإيمان عند ظهور معجزة موسى -عليه السلام.
هذان مثلان للاستجابة السريعة لدعوة الله تكون عند بعض الناس، أمَّا الأمثلة على الاستجابة البطيئة فهي كثيرة، نكتفي منها بما قصَّه الله علينا من أخبار قوم نوح، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عامًا، ومع هذا لم يؤمن له إلّا القليل كما جاء في