كصغار يعبثون، والشأن في الصغار الأطفال والجهل وعدم إدراك ما ينفعهم، ولذلك لا يعجب الداعي من مقابلة نصحه بالإعراض والصدود والأذي، كما يفعل الطفل إذا نصحته أو أبعدته مثلًا عن مسِّ النار أو الشيء المؤذي، فإنه يصيح ويغضب وربما آذاك. إنَّ الداعي لا يعجب من صدودهم كما قلت، ولذلك فهو يعيد الكَرَّة معهم، ويتحمَّل أذاهم ويدعو لهم بالهداية، وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرِّر دعوته إلى قريش ويتحمَّل أذاهم، ويقول: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون". إنَّ الإنسان ذا القلب الرحيم لا يستكثر على الصغير أن يصدر منه الصدود عن الناصح والأذى له؛ لأنه جاهل، ومن ثَمَّ يشفق عليه ذو القلب الرحيم، ولا يؤاخذه على إساءته إليه، قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} .
الرحمة تثمر العفو الصفح:
654- وما دام الداعي المسلم ينظر إلى من يدعوهم نظرة الرحمة والشفة عليهم، فإنه يعفو ويصفح عنهم في حقّ نفسه، قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ، وإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنّسبة لمن يدعوهم ويحتمل صدور الأذى منهم، فإنَّ عفو الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع، قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} .
الفظاظة تؤدي إلى انفضاض الناس:
565- والداعي المحروم من الرحمة الغليظ القلب لا ينجح في عمله، ولا يُقْبِلُ الناس عليه وإن كان ما يقوله حقًّا وصدقًا. هذه هي طبيعة الناس ينفرون من الغيظ الخشن القاسي ولا يقبلون قوله؛ لأن قبول قول الناصح يستلزم إقبال قلب المنصوح إليه، ولا يحصل هذا الإقبال مع خشونة الطبع وغلظة القلب، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ، فإذا كان هذا يمكن أن يقع بالنسبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، لو حصل ما ذكرته الآية الكريمة.
والرسول لا ينطق إلّا بالحق، ومؤيَّد بالحق، فكيف يمكن تصور تخلف الانفضاض عن الداعي إذا كان فظًّا غليظ القلب؟
فليتق ربهم الدعاة إلى الله، وليتكلَّفوا الرحمة والرفق إن لم يكونوا رحماء حتى