إلى دار النعيم، وهذا من مزايا الإسلام العظيم، فإنَّ تطبيق أحكامه واتباع تعاليمه ومناهجه في الحياة لا يفوت على الإنسان الحياة الطيبة في الدنيا -كما يظنّ بعض الجهال، بل يحققها له على وجهٍ سليمٍ خالٍ من العثار والشطط، وإنَّ هذه الحياة القائمة على معاني الإسلام تسهّل له سلوك سبيل الآخرة بيسر وسلامة، حتى توصله إلى الله تعالى راضيًا، بخلاف المعاني غير الإسلامية، فإنها تكدر حياة الإنسان وتشقيه في الدنيا وتقطع صلته بالله، ولا توصله في الآخرة إلّا إلى النار.
مصالح الدنيا معتبرة بمصالح الآخرة:
507- يقول الفقيه الشاطبي: "المصالح المجتلبة شرعًا، والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تمام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية1.
ومعنى هذا الكلام أنَّ تقدير الإسلام لمصالح العباد وتشريعه الأحكام والمناهج لتحصليها، إنما يقصد من ذلك كله تهيئتهم للظفر بسعادة الآخرة، فمصالح الدنيا في الحقيقية ليست مطلوبة لذاتها، وإنما هي وسيلة لمصالح الآخرة، فأيُّ شيء يعارض ظفره بسعادة الآخرة يجب أن يترك أو يؤخَّر، وأيّ شيء يؤدي إلى سعادته في الآخرة يجب أن يؤخذ ويقدَّم، فلا يجوز التفريط بالآخرة من أجل الدنيا ومنافعها الزائلة، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 3، وفي هذا المعنى قال الإمام الشاطبي في موافقاته: "والمصالح والمفاسد الأخروية مقدَّمة في الاعتبار على المصالح والمقاصد الدنيوية باتفاق؛ إذ لا يصح اعتبار مصلحة دنيوية تخل بمصالح الآخرة، فمعلوم أنَّ ما يخلّ بمصالح الآخرة غير موافِق لمقصود الشارع فكان باطلًا"4، فالممنوع إذن تقديم الدنيا على الأخرة، وليس الممنوع تحصيل الدنيا واستعمالها للآخرة، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} ، فالدنيا مرزعة الآخرة، ومتاعها وسيلة للوصول إليها،