لأجابنا القرآن بأنه لم يقصد بهذه الصور التي رسمها لنا عن الكون والإنسان، وكررها، ونوع أساليب عرضها في مواطن عديدة، لم يقصد مجرد المعرفة الثقافية، ولا مباراة الثقافات ولا مباراة الثقافات، والفلسفات الأخرى، ليثبت تفوقه المنطقي، وقدرته البلاغية عليها فحسب، ولا قصد تدريب عقولنا على الحفظ والفهم، بل أراد أن تتحول هذه المعرفة إلى حركة فكرية وعاطفية، ثم إلى قوة دافعة لتحقيق مدلولها في عالم الواقع أي لكي نحقق عبوديتنا لله الذي ما جعل هذه الصور الكونية الرائعة إلا تذكرة لمن يخشى، حتى نتجه إلى العبادة، والعمل الإسلامي المثمر في إعمار الكون، وتحقيق عدل الله، وشريعته في الحياة الإنسانية.

وأراد من عرض آياته في الآفاق "أن ترجع البشرية إلى ربها، وإلى منهجه الذي أراد لها، وإلى الحياة الرفيعة الكريمة التي تتفق مع الكرامة التي كتبها الله للإنسان، والتي تحققت في فترة من فترات التاريخ، على ضوء هذا التصور، عندما استحال واقعا في الأرض يتمثل في أمه تقود البشرية إلى الخير، والصلاح والنماء"1.

ويرجو صاحب هذا الكتاب أن يكون بحثه التربوي هذا صدى من أصداء هذا النداء الرباني، وأن يترك بدوره أثر علميا لدى الذين يقودون الحركة التربوية، أو يعملون فيها، ليعملوا على الأخذ بهذا المنهج الإسلامي التربوي في تربية الأجيال.

ولذلك آثرت أن أعرض، بأسلوب القرآن، وبذكر آياته، أهم ما يمكن عرضه من الصور التي لنا فيها آيات عظمة الله، ووحدانيته ليحضنا على عبادته، ثم أعقب على ذلك بذكر الآثار، والنتائج التربوية التي تترتب على هذه الصور، والتصورات حول الكون والإنسان دون أن أقيد نفسي بسوابق أفكار من رواسب الثقافات التي لم تؤخذ من القرآن ذاته، ودون أن أقيد نفسي بعلاج انحراف معين من انحرافات الواقع الإنساني، وذلك ليقيني بأن منهج الإسلام بكليته، وكماله يصلح للنهوض بحياة الإنسان والمجتمع الإنساني بكليته، ولعلاج جميع مشكلاته بلا استثناء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015