ولهذا الحوار أثر نفسي عميق فهو يوقظ في النفس عاطفة العرفان بالجميل والشكر لله، وبالتالي يربي عاطفة الخضوع، والانقياد لأوامر الله تعالى، وإنما تربي العاطفة بتكرار إثارة انفعال معين نحو موضوع معين، فإذا قرأ الإنسان في عدد من الصلوات عددا من هذه الآيات، وخشع لها قلبه كل مرة، أصبح عنده استعداد للخشوع كلما تذكر هذا الأمر، إن الاستعداد هو العاطفة المطلوبة.

على أن العاطفة يجب أن تكون قوة دافعة تدفع صاحبها إلى التطبيق، والتضحية والسلوك المستقيم، فالتذكير بنعمة الغنى تدفع إلى البذل والسخاء في سبيل الله، والتذكير بنعمة الإيواء تدفع إلى رحمة الأيتام، ورعايتهم وهكذا.

والآيات القرآنية ذات الأسلوب الاستفهامي دالة على هذا، فكلما ورد سؤال يذكر نعمة من نعم الله، كان جوابه إما ملحوظا وإما صريحا، كما في سورة الضحى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 93/ 9-11] .

الحوار الخطابي التنبيهي أو الإيضاحي:

من أوضح صور هذا الحوار، أن يرد سؤال من الحق جل جلاله، يليه جواب، فتكون غايته لفت الأنظار إلى أمر هام، ثم شرح هذا الأمر كقوله تعالى:

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ: 78/ 1-3] .

{الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ، كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} [الحاقة: 69/ 1-4] .

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} [الغاشية: 88/ 1-2] .

وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب القرآن في هذا اللون من الحوار، فقال فيما رواه أبو هريرة: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"، رواه مسلم1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015