أعظم المؤثرات التربوية في نفوس الناشئين، فيه يرون الراشدين مجتمعين على الله، فينمو في نفوسهم الشعور بالمجتمع المسلم، والاعتزاز بالجماعة الإسلامية، وفيه يسمعون الخطب والدروس العلمية، فيبدءون بوعي العقيدة الإسلامية، وفهم هدفهم من الحياة، وما أعدهم الله له في الدنيا والآخرة.
وفيه يتعلمون القرآن ويرتلونه، فيجمعون بين النمو الفكري، والحضاري بتعلم القرآءة، ودستور المجتمع الإسلامي، والنمو الروحي وهو الارتباط بخالقهم.
وفيه يتعلمون الحديث والفقه، وكل ما يحتاجون من نظم الحياة الاجتماعية كما أراد الله أن ينظمها للإنسان، ومن هداية الله وسنة رسوله.
ومن العلوم المتممة لذلك كاللغة والتاريخ الإسلامي وغيرها، ولكن ما يدعو المسلمين إلى المسجد هو الالتقاء على طاعة الله، فشعار الاجتماع في المسجد لأمر طارئ، أن ينادي مناد في أسواق المسلمين، ومآذن مساجدهم "الصلاة جامعة"، فإذا اجتمعوا كان أول عملهم أن ينتظموا صفوفًا ويصلوا
ركعتين، ثم يتداولون أمرهم، هذا إذا اضطروا للاجتماع في وقت لا تحين فيه صلاة مفروضة، وفي الحالات غير الاضطرارية ينتظرون وقت الصلاة المفروضة، فلا يبرمون أمرا إلا بعد اجتماعهم على صلاة.
فالمسجد على هذا يعلم الناشئين أن كل أمور الحياة تابعة للارتباط بالله، وصادرة عن هدف التربية الإسلامية الشامل الذي هو إخلاص العبودية لله، وينغرس هذا المعنى في نفس الناشئ عفوا من غير قصد ولا تكلف.
وقد بقي تعلم القرآن في الكتاتيب والمساجد، إلى عهد قريب، وسيلة لتعلم القراءة والكتابة، فكان الأطفال، قبل انتشار المدارس الحديثة، يتقنون قراءة القرآن، فيتعلمون القراءة على أسلوب الطريقة الجملية، أي أنهم يتقنون التعرف إلى صورة الكلمات المكتوبة مقترنة بألفاظها المنطوقة.
وكان الأطفال، بعد هذه القراءة الأولى، يكتبون القسم الذي قرءوه، على ألواح خشبية، يحاكون رسمه في المصحف، وكلما كتبوا جزءا يناسب مقدرتهم، عادوا فأتقنوا تلاوته، ثم ينتقلون إلى غيره، وهكذا حتى يتموا جميع القرآن، ثم ينتقى منهم
المتفوقون ليحفظوا القرآن على ظهر قلب، كما حدثني أهل العلم ممن أدركوا هذا العهد "كالشيخ ناصر حمد الراشد مدير تعليم البنات في المملكة العربية السعودية".