كان المفضل رأس مدرسة الكوفة، ولكنه قدم البصرة وأخذ عن علمائها، كما قدم بغداد في زمن الرشيد الخليفة العباسي، وحضر مجالسه ونال صِلاته، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن العلماء الأجلاء -في الأزمنة السابقة- كانوا لا يتعصبون لأي فكرة أو رأي، ويبحثون دائمًا عن الحقيقة أينما كانت، فهذا هو المفضل الكوفي يبحث عن الحقيقة في البصرة وفي بغداد، وفي أي مكان يظن أنه سيجد الحقيقة فيه.

وقد شهد للمفضل الضبي الخليفة المهدي بغزارة علمه وصحة روايته والثقة فيها، فقال: "يا معشر من حضر من أهل العلم؛ إن أمير المؤمنين ليعلمكم أنه قد وصل حماد الشاعر بعشرين ألف درهم؛ لجودة شعره -وصل حماد يعني أعطاه عطية أو هدية- وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها -وهذا ما يسمى بالوضع أو الانتحال- ووصل المفضل الضبي بخمسين ألفًا لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرًا جيدا مُحْدثًا فليسمعه من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل". هذا الخبر موجود في (معجم الأدباء) لياقوت، وله عدة دلالات ينبغي أن نتأملها ونحن نقرؤه.

من هذه الدلالات: اهتمام الخلفاء بالرواية، أدرك الخليفة المهدي أن حماد الراوية كان وضاعًا، وأدرك أيضًا أن المفضل الضبي كان رجلًا ثقة في روايته مدققًا، نأخذ منها أيضًا: إعلام الناس بالموثوق بروايته وغير الموثوق بها؛ حتى يتنبه الناس عندما يقرءون شعرًا، أو يستمعون إلى شعر، أو يَرِد عليهم خبر، أو يقرءونه إلى آخره، لابد أن يكونوا على علم بمن هو الموثوق بروايته وغير الموثوق بها.

ومن الدلالات أيضًا: الدراية التامة بالشعر الجيد وغير الجيد، والموضوع وغير الموضوع، ومن الدلالات: الاعتراف بصدق المفضل الضبي في روايته، وبحماد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015