المؤلفين، أو جهل المسئولين الإداريين بالعناء الذي يلقاه مفهرس المخطوطات؛ فبعضه في الحقيقة لا يدرك قيمة المخطوطات، ويظن أنها عبارة عن ورق أصفر ينبغي التخلص منه، وبعضهم يظن أن فهرسة المخطوطات ما هي إلا تسجيل المعلومات المدونة عليها دون التحقق من صحتها كأنها كتاب مطبوع، وهذا عمل من السهولة بمكان لا يحتاج إلى متخصص، وهذا كله ظن خاطئ؛ لأن فهرسة المخطوطات عمل مضنٍ وشاق لا يقوم به إلا من أوتي حظًّا من الدقة والفطنة والمعرفة، وتكونت لديه خبرة جيدة في هذا المجال.
وخلاصة القول في هذا: إن الذين يشتغلون بفهرسة المخطوطات خاصة الهواة منهم -الذين يتخذونها هواية- يستعذبون الصعاب، ويجدون متعة لا تعدلها متعة في عملهم هذا، إضافة إلى الفوائد الجمة التي يجنونها من التعرف على المجهول، واكتشاف المغمور، والغوص العميق في المصادر التي قد تزيل الستار، وتزيح الظلمات عن اسم مؤلف، أو عنوان كتاب، فتغمر الفرحة قلوبهم والسرور جوانحهم حين يظفرون بلمحة أو إشارة أو اقتباس من مخطوط عنوانها مجهول، أو مؤلفه مغمور، ولا يدرك هذه الفرحة إلا من عاش في هذا الجو، وعايش هذا المخطوط، وذاق معاناة هذا العمل.
يصور هذه الفرحة علم من أعلام المحققين هو الأستاذ الدكتور محمود محمد الطناحي؛ فيقول عن هذه المتعة: "وهي متعة لا يعرفها إلا عاشق للمخطوطات المُدَلَّهُ بحبها فأي سنا يلمع في عينيك، وأنت ترى توقيع ابن الجوزي بخطه بصحة سماع عليه، أو خط ابن خلكان بتملك، بل أي نور يغشاك، وأنت تقرأ لتلميذ وهو يقول: إنه قرأ هذه النسخة على مؤلفها بالبيت الحرام تجاه الكعبة المعظمة، ثم يؤرخ لذلك بسنة تسع وثلاثين وستمائة، فتكاد تكتحل بذلك التراب الذي