ومن الأسباب القوية التي تؤدي إلى وقوع المصحح في الخطأ من حيث لا يدري: اعتماده على إلفه للكلمات والحروف، وهو يقوم بعملية التصحيح، فإنه إذا اعتمد على إلفه للكلمات والحروف وهو يقرأ لا بد أن يخطئ؛ لأنه لا يقرأ بعينه كلها، وإنما يقرأ بجزء منها مع جزء من تفكيره، وصور الأخطاء الطباعية كثيرة جدًّا كتكرار كلمة، أو زيادة لفظة، أو حذف لفظة، كالتباس الضمة بالسكون، أو الشدة المفتوحة بالشدة المكسورة، وعلى المصحح تدارك كل هذا، وإن بدا في نظره قليلًا أو هينًا لا يفرط فيه بحال من الأحوال، وعليه ألا يقر من الحروف إلا ما هو واضح تمام الوضوح، ظاهر كل الظهور؛ فإن الحرف الضعيف في الكتابة يكون ضعيفًا في القراءة والاستيعاب، ومن الأفضل أن يستعين الباحث في مراجعة البروفات الأخيرة بعين أخرى غير عينه؛ لأن القارئ الغريب أيقظ نظرًا، وأشد انتباهًا.
وإذا عَنَّ للمحقق رأي بعد نشر الكتاب، أو ظهر له خطأ، أو غيَّر فكرة كان قد طرحها قبل ذلك، أو ظهرت له نسخة من المخطوط جديدة لم يكن قد اطلع عليها حال التحقيق وهي نسخ مهمة، وفيها من الزيادة ما ليس في النسخ الأصلية، أو كانت النسخ الأم التي اعتمد عليها في التحقيق فيها سقط، فيها خرم، وفي النسخة التي عثر عليها فيها إصلاح لهذا، ماذا يفعل المحقق في مثل هذه الحالة؟
لا يتردد لحظة في إعادة طبع المخطوط مرة ثانية، وإضافة ما يراه ناقصًا، أو حذف ما يراه زائدًا، ويعدل ما ينبغي تعديله، والمخطوط بعد طبعه كالمولود يحتاج إلى تعهد بالرعاية حتى يستوي على عوده، ومن ثم لا ينبغي للمحقق أن يهجر المخطوط بعد نشره، بل يظل على صلة به دائمة، ويعلم الكتابات والآراء التي تدور حول هذا المخطوط بالنقد، أو التعليق، أو الثناء، أو غير ذلك، يستوعبها المحقق جيدًا فلربما أضاءت له طريقًا كان خافيًا عنه حين التحقيق، وليحاول الإفادة من كل ذلك عند كل مرة يعيد فيها نشر هذا المخطوط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.