تصحيف: لا ترتج مثل الأسنة؟ فكتب: لا يرث جميل إلا بثينة". هذا النمط غريب فعلا من التصحيف ناتج عن التلاعب بالحروف، وشاع هذا النمط من التصحيف في كتب المتأخرين للدلالة على المهارة كصلاح الدين الصفدي والأبشيهي وابن حجة الحموي وغيرهم. هناك صور من التصحيف تصطنع اصطناعا؛ لتغيير كلام غير مستقيم أو مرفوض في موازين الأخلاق أو الطباع السوية، ومثال ذلك ما فعله بعضهم من تغيير: اتق شر من أحسنت إليه، إلى: أبق سر من أحسنت إليه؛ لأن العبارة الأولى داعية إلى تبغيض الإحسان إلى الناس، وتنفيرهم منه.
بعض المحققين قد يظن أن ظاهرة التصحيف والتحريف خاصة بالمخطوطات، والمؤلفات القديمة، هذا ظن غير صحيح، ظاهرة التصحيف والتحريف تشيع بين المحققين والكتاب في العصر الحديث، وربما كان جهل القائمين على الطباعة باللغة العربية وقواعدها وراء انتشار هذه الظاهرة، بالإضافة إلى إهمال المحققين والكتاب مراجعة البروفات النهائية للطباعة، وبعضهم ينيب عنه من يقوم بهذه المراجعة ممن لا خبرة لهم باللغة والأسلوب، وصور التصحيف والتحريف في المؤلفات الحديثة لا تحصى كثيرة، وتحتاج إلى بحوث وليس إلى بحث.
وإذا كان القدماء قد أكثروا من التصنيف في هذه الظاهرة؛ فنحن الآن في أشد الحاجة إلى التأليف فيها والكشف عنها، منها كثير في (ريحانة الكتاب) وفي كتاب (الكامل) لابن الأثير، كثير من الذين قاموا بتحقيق (ريحانة الكتاب) للسان الدين بن الخطيب، والدكتور محمد عبد الله عنان حققه، وفي كتاب (الكامل) لابن الأثير طرنبرج أيضا حققه، فيه تصحيفات لا تليق على الإطلاق لا بالكتاب ولا بالمؤلف، وهي في حاجة إلى الكشف عنها وتوضيحها للمحققين حتى يتعلموا ويفيدوا منها فائدة جمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.