بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
(تحقيق متن المخطوط)
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه، وبعد:
فأشرت سابقا إلى أن تحقيق المخطوط يعني: أن يظهر المحقق متنه بصدق وأمانة كما وضعه مؤلفه كما وكيفا بقدر الإمكان، وليس معنى تحقيق المخطوط الارتقاء بأسلوبه أو تلخيص عبارته وفقراته، بأن يختار المحقق أسلوبا غير أسلوب المؤلف مثلا، أو يضع كلمة مكان كلمة أخرى بدعوى أنها أبلغ أو أجمل، وليس من حقه أيضا أن يوجز في عبارة المؤلف أو أي شيء يشبه هذا، فتحقيق المتن أو النص أمانة في الأداء تقتضيها أمانة التاريخ وأمانة العلم، فإن متن المخطوط حكم على صاحبه وعلى عصره وبيئته، وهذه اعتبارات تاريخية لها حرمتها ينبغي أن يراعيها المحقق.
كما أن التصرف في المتن بأي شكل من الأشكال يعد عدوانا على حق المؤلف، فالمؤلف وحده هو الذي يملك حق التبديل والتغيير والتلخيص؛ لأن النص ملكه، وإذا كان المحقق يتصف بصفة الجرأة أو أحس أنها تغلب على نفسه، فالحقيقة ينبغي له أن يتنحى عن مثل هذا العمل وليدعه لغيره ممن هو موسوم بالإشفاق والحذر؛ لأن التحقيق نتاج خُلقي قبل أن يكون نتاجا علميا لا يقوى عليه إلا من اتصف بالأمانة والصبر.
فتحقيق النص إذًا يعني: إبرازه كما وضعه صاحبه، أو بعبارة أخرى تحقيق المتن عبارة عن تحرير النص في شكل يجعله أقرب ما يكون إلى الصورة التي كتبها مؤلفه، ويكون ذلك بإصلاح ما طرأ عليه من فساد أو لحقه من عوج، والفساد الذي يطرأ على النص ويجعله بحاجة إلى التقويم والإصلاح ليعود إلى أصله الذي أنشأه عليه صاحبه، أو أراد على الأقل أن يكون عليه هذا الفساد ينشأ عادة عن