بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(العرب والبحث العلمي - مناهج التأليف عند العرب (1))
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه وبعد:
فهل وقف العرب عند ذلك الحد حد جمع المعلومات ولم تكن لهم رؤية علمية في النظر في هذا الإبداع؟ بمعنى: هل كان العرب مجرد مبدعين أم أنهم عرفوا طريق البحث العلمي وأسسه واتجاهاته؟
عرف العرب البحث العلمي منذ فترة مبكرة من حياتهم، لا أقول: إنهم عرفوه في العصر الجاهلي مثلا، لا فإن البيئة التي عاشوها لم تكن لتؤهلهم إلى معرفة هذه النهضة العلمية، التي رأيناها في العصور التالية، ولكنهم عرفوها إبان نهضتهم وحضارتهم الإسلامية، عندما جاء الإسلام ولفت أنظارهم إلى البحث والتأمل والنظر، وأطلق لها الحرية في التأمل ومعرفة ما وراء الكونيات، فقد انطلق العرب -من خلال فهمهم لهذا الدين الإسلامي- يمهدون الطريق في هذا المجال أمام الغربيين، الذين أفادوا منهم إفادة عظيمة باعتراف المنصفين منهم، الغربيون أنفسهم يعترفون بفضل الحضارة والعلماء العرب على الحضارة الغربية مثل: "برنارد لويس" "سيديو" وغيرهما كثير.
وعندنا كتب كثيرة تحدثت عن هذه القضية، عندنا كتاب (قصة الحضارة) لـ "ديوران"، (الإسلام والحضارة العربية) لـ "وثوب"، (حضارة العرب) "جوستاف لوبون"، فضل العرب على حضارة الغرب كثير، عندنا كثير من المؤلفات موجودة، وفيها اعترافات من الغرب أنفسهم بأن العرب قد تفوقوا عليهم، وأنهم أفادوا منهم إفادة كبيرة في مجال البحث العلمي.
ولم يكن تفوق العرب في مجال البحث الأدبي فحسب، صحيح هم اتجهوا إلى جمع التراث الأدبي وبخاصة الشعر، ولكن بحثهم وانطلاقاتهم العلمية تجاوزت حدود الأدب، فكانت لهم أبحاث في العلوم، كان تفوقهم في شتى مجالات البحث العلمي، وأصبحوا في القرن التاسع الميلادي حراس العلم، وسدنة المعرفة والمهيمنين على معظم مراكز الثقافة والبحث العلمي، في الوقت الذي كان