أما الاتجاه الثالث: فإنه يربط كل هذه الاتجاهات بالإنسان؛ حيث يرى أن الفن نتاج إنساني، وأن التذوق بعد إنساني، وأن الحكم سمة إنسانية، وأن الصور الفنية منتجات إنسانية. ويتمثل هذا الاتجاه عند "هيجل" بصفة خاصة، فهو الذي يرى أن علم الجمال هو فلسفة الفن الجميل، ورغم إحساس البشر جميعًا بالجمال، وتمتعهم به إلا أن مقاييسه تظل نسبية عند كل أمة من الأمم، بل عند كل فرد من الأفراد.
ولو نظرنا إلى الجمال وتأملناه جيدا لعلمنا أنه من القيم المطلقة التي لا تحد بحدود، وقديما قال أفلاطون: الروح هي التي تدرك الجمال. أما الحواس فلا غير انعكاسات ظلال الجمال.
ولكن عندما نبحث عن الجمال في الأدب: لابد أن نفرق بين الجمال في الفنون، والجمال المطلق، أما الجمال المطلق: فهو موجود في الطبيعة سواء حوله الفنان إلى عمل فني أم لا. وأصحاب الفلسفة الجمالية لا يعنيهم جمال الطبيعة، أي: لا يعنيهم الجمال المطلق، وإنما يعنيهم الجمال الموجود في الفنون، الجمال الذي يثير فينا نوعًا من الشعور عندما نتأمله، ونعيش معه.
والفنان عندما ينقل جمال الطبيعة إلى عمل فني لا ينقله مجردًا، وإنما يخلع عليه من نفسه وذاته ما يجعلنا نراه في صورة أخرى غير الصورة التي كنا نراه عليها في مظاهر الطبيعة، ونتأثر به، ويثير فينا نوعًا من المشاعر والعواطف التي تتناسب معه. وليس بلازم أن يأتي العمل الفني موافقًا للطبيعة من حيث الجمال والقبح؛ فقد يتناول الأدبية حقيقة من حقائق الطبيعة تتسم بالقبح في الواقع ليس فيها ملمح جمالي، لكنه يحاولها إلى لوحة فنية جمالية بما يضفي عليها من نفسه، وحسه، ويصبغه عليها من ذاته، يعني: ينقل الجمال في الطبيعة، ويبدو هذا