مما تقدم يتضح لك: أن المنهج النفسي المعتدل -وأقول: المعتدل- ينظر إلى المنبع الأصلي للعمل الأدبي، أي: النفس -نفس الأديب-، هذا هو المنبع، إذ ينبغي أن تدرس هذه النفس، ويحيط الباحث بشتى جوانبها، وما يصدر عنها.
ولا شك في أن التعرف على نفسية الأديب يكشف لنا عن كثير من الجوانب النفسية في العمل الأدبي، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفهم شعر امرئ القيس مثلًا إلا إذا وقفنا على طبيعته النفسية، وما طرأ عليها من تحول، كما أنه لا يمكن فهم شعر الحطيئة إلا إذا فتشنا عن غرائزه، وصفاته النفسية التي جعلته منبوذًا يحترف فن الهجاء، وتشترى منه أعراض الناس بالمال. كل هذا لا يكشف عنه إلا المنهج النفسي، فنحن في أشد الحاجة إلى هذا المنهج؛ للكشف عن مثل هذه القضايا، أو الجوانب، ونحن نبحث في الأدب.
هذا وللمنهج النفسي أيضا في الأغراض الشعرية دور كبير، فالأغراض تتفاوت من شاعر لآخر، كما تتفاوت لدى الشاعر الواحد، فهناك شعراء برعوا في فن الغزل مثلًا، لكنهم لم يبرعوا في فن الوصف، وآخرون برعوا في فن الهجاء، لكنهم لم يجيدوا الشعر الحماسي. هذا موجود على مدار التاريخ الأدبي في جميع العصور، عندنا شعراء مشهورون بالغزل، وشعراء مشهورون بوصف الطبيعة، وشعراء مشهورون بالمدح، هذا على مستوى الشعراء عامة، عندي شاعر واحد يستطيع أن يتغزل، ولا يستطيع أن يصف، أو يستطيع أن يصف، ولا يستطيع أن يتغزل.
نماذج كثيرة: هناك شعراء يتهتمون بالطبيعية يهيمون بها هياما. البحث في هذه القضايا؛ لمعرفة السر في هذا التنوع أو هذا التوجه، يحتاج إلى منهج دقيق، ما الذي يفيدنا؟ ما المنهج الذي يساعدنا على الكشف عن سر هذا التوجه من