هذا النحو التاريخي الدقيق، صبا المتنبي شباب المتنبي، ثم في ظل الأمراء، ثم في ظل سيف الدولة، ثم في ظل كافور، ثم أخيرًا غنيمة الإياب.
هذا هو المثال الأول الذي عرضناه، أما المثال الثاني: فهو كتاب (حياة الشعر في الكوفة إلى نهاية القرن الثاني الهجري)، وقد كتبه الأستاذ الدكتور يوسف حليف، الذي اتخذ من المنهج التاريخي أساسًا لدراسته، وأتاح له هذا المنهج متابعة جوانب الحياة المختلفة في الكوفة، وتطور حركتها التاريخية على مدى قرنين من الزمان، نعم، وما كان له أن يسلك غير هذا المنهج، ما كان له أن يسلك غير هذا المنهج؛ لأنه أراد أن يتتبع، -تأمل عنوان الكتاب- (حياة الشعر في الكوفة)، حياة ونحن أشرنا إلى ذلك.
قلنا: إنه في مثل هذه الموضوعات، التي يود الكاتب فيها أن يتعرف، أو يتتبع الأدب في أي عصر من العصور؛ ليكشف عنه أو عن حياته، ويوضح خصائصه، وتأثره أو تأثيره في البيئة، لا يجد أمامه إلا هذا المنهج، المنهج التاريخي، فهذا المنهج فرض نفسه على الأستاذ الدكتور يوسف خليف، في كتابه هذا (حياة الشعر في الكوفة إلى نهاية القرن الثاني الهجري).
تتبع جوانب هذه الحياة، وتطور حركتها التاريخية على مدى قرنين من الزمان، ومواكبة الشعر لها، وإلى أي مدى كان صدًى لأحداثها السياسية، وانعكاسًا لظواهرها الاجتماعية، وصورة من نشاطها العقلي.
وهناك كثير من الدراسات الأدبية، غير التي ذكرنا سلكت المنهج التاريخي منها مثلًا: كتاب (شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي) للأستاذ عباس محمود العقاد، ثم كتاب (فصول في الأدب والنقد) للدكتور طه حسين، وكتاب (تاريخ آداب العرب) للرافعي، وغير ذلك من كتب كثيرة، موجودة بين أيدينا لمن أراد أن يطلع عليها.
بهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن أول منهج، من المناهج الحديثة للبحث الأدبي في العصر الحديث، وهو المنهج التاريخي، عرفنا مفهومه، ونشأته، ومقياس الجودة عند أصحابه، ثم تبين لنا أن هناك أسسًا يقوم عليها ذلك المنهج، ثم ذكرنا قيمته في مجال الدراسات الأدبية، وأشرنا إلى بعض المآخذ، التي يمكن أن توجه له إذا اعتمدنا عليه وحده، كمنهج مستقل في مجال البحث الأدبي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.