ومن ثم لم يلتفت إليها وإن صح أن نقول: إن بعض الناس يتشابهون في الشكل، أو في الطباع مثلًا، أو في نمط سلوكي معين، فمن الصعب أن نقول ذلك في مجال العواطف، والأحاسيس، والاستعداد الفطري الذي يشكل الأديب، يعني: إذا تأملنا قول سانت بيف أو رؤيته جيدًا يعني: من المستحيل أن نطبق بعض الجوانب التي نادى بها، فإذا تشابه الأدباء في أي شيء، فإنهم لا يتشابهون في العواطف، والأحاسيس، والاستعداد الفطري الذي يشكل كل واحد منهم.
فالأديب الواحد لا يخضع لقانون ثابت في هذا الجانب، الأديب الواحد عواطفه تتفاوت أحاسيسه ومشاعره، تعلو أحيانًا، وتهبط أحيانًا أخرى، فلا يمكن أن تكون ثابتة كثبات القوانين الطبيعية، إذا كان هذا يحدث للأديب الواحد، فما بالنا بطائفة من الأدباء مختلفي الحس والشعور، والتوجه الفني؟ بتلك الرؤية، وهذه الآراء التي طرحها سانت بيف، استطاع أن يضع جذور المنهج التاريخي.
ثم جاء من بعده هيبوليت تين، فأسقط الخصائص الفردية التي يتميز بها الأديب، أسقطها إسقاطًا تامًّا، وحولها إلى خصائص جماعية، وقوانين حتمية، تشبه قوانين الطبيعة، وظهر صدى ذلك في كتابه (تاريخ الأدب الإنجليزي)، أصل لهذه الرؤية في هذا الكتاب، وأخضع تين الأدب والأديب معًا خضوعًا تامًّا جبريًّا؛ لعدة معايير نتأملها جيدًا، هذه المعايير هي: الجنس والبيئة والعصر.
فيقول: أعثر على حالات البلد والإقليم والجنس والبيئة والتربية، والعادات التي عاش فيها إنسان ما، واسنتتج منها موقفًا طبيعيًّا، يكشف عن موهبة الأديب، وأعماله، هذا كلامه الذي يؤكد به تلك الرؤية، ويقصد بالجنس هنا: مجموعة من الصفات والخصائص الموروثة لدى أمة من الأمم، انحدرت من أصل واحد، ويعني بالبيئة المكان أو الوسط الجغرافي، الذي نشأ فيه الأديب أو جنس بشري ما، وما يشكله من عوامل طبيعية واجتماعية مختلفة، تؤثر في فكره.