والأخلاقية، والإنسانية، التي يمكن أن يشكلها ذلك الحدث في جميع الأزمنة، والأمكنة.
مهمة المؤرخ تتمركز في الجانب الأول، أما الجانب الثاني، فيمثل المادة الخام للأديب، يستقي منها مضامينه الفكرية، وأشكاله الفنية، وكل ما يريد أن يبدع فيه، ولو تأملنا النماذج الأدبية الخالدة لوجدنها تستمد أصولها من قضايا تاريخية، أو سياسية، أو إنسانية بارزة، هذه حقيقة جميع النماذج الأدبية، التي التفت إليها النقاد، وأعجبوا بها، ولا تزال تتردد إلى الآن على ألسنة الباحثين، والدارسين وغيرهم ممن يتذوقون الأدب، هذه النماذج لو تأملنا فيها جيدًا، لوجدناها تستمد أصولها من قضايا تاريخية بارزة، أو سياسية خطرة، أو إنسانية، فالتاريخ والأدب وسيلتان لغاية واحدة.
هذه الغاية هي استيعاب الأحداث بأبعادها المختلفة، وتصويرها بطريقة ما، مع اختلاف أدوات كل من المؤرخ والأديب في هذا، فالمؤرخ وسيلته تحليلية، أما الأديب فوسيلته فنية بحتة، كما أنه لا يمكن إنكار أو تجاهل ما بينهما من تأثير وتأثر، لا يمكن بحال من الأحوال إنكار أن الأدب يؤثر في التاريخ، وأن التاريخ يؤثر في الأدب تأثيرًا بارزًا وواضحًا، ومن ثم فليس من السهل دراسة الأدب، أو الكشف عن طبائع الأدباء، واتجاهاتهم الفنية وغيرها، إلا بعد دراسة عصورهم، التي نشأوا فيها، وبيان أحوال مجتمعهم، وأثر البيئة في حياتهم.
كل هذه الأشياء تكشف لنا عن جوانب كثيرة من الأدب، والإبداع الفني والخصائص، التي يتميز بها ذلك الفن، وهذا المبدع، وينبغي لمن ينشد الحقيقة من باحثي الأدب ودارسيه، ألا ينظر في الأدب أو الأدباء نظرة استقلالية، ويجعلهما في معزل عن تيارات عصرهما، والأحداث الكبرى التي تصنعهما، بل لا بد أن يدرس الأدب في إطار تلك الأحداث في إطار ذلك التاريخ؛ لأنهم لا ينفصلان كما ذكرنا.