وأفعاله، ويدخل فيه أنه سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب وقدر الأشياء وعلم بها قبل وجودها سبحانه وتعالى، وأنه على كل شيء قدير وبكل شئ عليم، ومن أجمع ما ورد في ذلك من الكتاب العزيز قوله سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، وقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، وقوله عز وجل: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . . وقوله عز وجل: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} ، إلى أشباه هذه الآيات الدالة على كماله سبحانه، وأنه جلّ وعلا موصوف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص والعيب، فهو كما أخبر عنه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام له الأسماء الحسنى وله الصفات العلا.
فواجب على المؤمن أن يؤمن بكل ما أخبر الله عنه ورسوله من أسماء الله وصفاته، ويعرفها كما جاءت؛ لا يغير ولا يبدل ولا يزيد ولا ينقص، بل يعرفها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل تثبت كما أثبتها السلف الصالح.
فمن ذلك الاستواء، والنزول، والوجه، واليد، والرحمة، والعلم، والغضب، والإرادة وغير ذلك من صفات الله عز وجل؛ فتثبت له سبحانه كما جاء في الكتاب العزيز وكما جاء في السنة الصحيحة، نثبتها له كما أثبتها السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، كما أثبتتها الرسل عليهم الصلاة والسلام.
فنقول: استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، ليس كما تقول الجهمية: استولى؛ فانه ليس في موقف المغالب جل وعلا، فلا أحد يغالبه؛ فهو مسئول على كل شيء جل وعلا، ولكن الاستواء صفة خاصة بالعرش، معناه العلو والارتفاع؛ فهو عال فوق خلقه مرتفع فوق عرشه استواء يليق به سبحانه لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا؛ فاستواؤه أمر معروف كما قال مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم والكيف، مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وكما قال ربيعة شيخ الإمام مالك رحمهما الله، وكما قالته أم سلمه رضي الله عنها، وكما قاله أهل السنة والجماعة؛ فالصفات معلومة وكيفها مجهول والإيمان بها واجب.
هذا طريق الصفات كلها العلم، والرحمة، والغضب، والوجه، واليد، والقدم، والأصابع وغير ذلك مما جاءت به الآيات والسنة الصحيحة طريقها واحد، وهكذا حديث النزول؛ نؤمن به ونثبت معناه لله على الوجه اللائق به ولا يعلم كيفيته سواه؛ فنقول: ينزل بلا كيف كما يشاء سبحانه وتعالى نزولا يليق بجلاله وعظمته، لا ينافي علوه وفوقيته سبحانه وتعالى، ولا يشابه نزول المخلوقين.
وهكذا استواؤه على العرش لا ينافي علمه بالأشياء وإحاطته بها، وأنه مع عباده ومع أهل طاعته، مع عباده بعمله واطلاعه سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ؛ فهذا لا ينافي علوه واستواءه على عرشه؛ فهو معنا بعلمه واطلاعه، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى كما يشاء، وكما أخبر جل وعلا، من غير تحريف ولا تكييف، وهو مع أوليائه وأهل طاعته بعلمه وتأييده أيضا وعنايته بهم، وكلاءته لهم ونصره إياهم، فهما معيّتان: معية عامه تقتضي العلم والإحاطة ورؤية العباد، وأنه لا تخفى عليه