وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ؛ فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر هما من جملة الأعمال الصالحات، والعمل الصالح من جملة الإيمان، فعطف العمل على الإيمان من عطف الخاص على العام، وهكذا عطف التواصي بالحق والتواصي بالصبر على ما قبله هو من عطف الخاص على العام، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة الأعمال الصالحات؛ ولهذا لم يذكرا في آيات أخرى، قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} ، ولم يذكر التواصي بالحق والتواصي بالصبر لأنهما داخلان في العمل في قوله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} كما أنهما داخلان في الإيمان عند الإطلاق؛ لأنه يدخل فيه عند الإطلاق كل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وما سيكون في آخر الزمان وفي يوم القيامة وفي الجنة والنار، كما يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله، ويدخل فيه أيضا ترك ما نهى الله عنه ورسوله، وكل ذلك داخل في الإيمان عند الإطلاق، وإنما يذكر سبحانه بعض الأعمال للعطف عليه، وترك بعض السيئات هو من باب عطف الخاص على العام؛ فهكذا ما يتعلق بأصول الإيمان تارة تذكر هذه الأصول الستة جميعا كما في الآية الكريمة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} .. الآية، فإنه ذكر فيها خمسة، وذكر القدر في آيات أخر، كما في قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، وفي قوله سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ} .. الآية، إلى غير ذلك من الآيات، وذكر بعضها في آيات أخرى ولم يذكرها كلها.

وهكذا في الحديث ذكر بعض هذه الأصول، وذكر الستة في حديث جبريل، وفي بعض الأحاديث ذكر الإيمان بالله فقط كحديث: " قل آمنت بالله ثم استقم"، وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر؛ وما ذاك إلا لأن الإيمان بالله واليوم الآخر يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله؛ فان المؤمن بالله واليوم الآخر يحمله إيمانه بذلك على فعل كل ما آمر الله به ورسوله، كما يحمله أيضا على ترك ما نهى الله عنه ورسوله؛ ولهذا اقتصر على الإيمان بالله واليوم الآخر في بعض النصوص؛ لأن من آمن بالله إيمانا صحيحا وباليوم الآخر حمله ذلك على أداء ما أوجبه الله وعلى ترك ما حرمه الله، وعلى الوقوف عند حدود الله سبحانه وتعالى، ومن هذا قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .

فالإيمان بما ذكر أمر لابد منه، ومن لم يؤمن بذلك فإنه كافر بالله عز وجل وإن أظهر إسلاما وإيمانا، ولكنه بكفره بواحد من الأصول الستة، أو كفره بشيء آخر مما علم من الدين أنه من دين الله بالأدلة المعروفة فانه يكون كافرا بالله، ولا ينفعه بعد ذلك ما أقر به؛ فان هذا الدين لابد أن يقبل كله، ولابد أن يحصل به الإيمان كله، فإذا آمن بالبعض وكفر بالبعض فهو كافر حقا، وبهذا يعلم المؤمن عظم شأن هذه الأصول وأنها أصول عظيمة لابد منها، فيدخل في الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه من أسمائه وصفاته، أو أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من أسماء الله وصفاته كله داخل في الإيمان بالله؛ فيدخل في ذلك الإيمان بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق الرزاق وأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015