وعن أسمائه وصفاته، وعن أصول هذا الدين، وعن شئون يوم القيامة والجنة والنار، وعن الرسل وأممهم حتى يجد القارئ في كل موضع من كتاب الله ما يزداد به إيمانه وعلمه، وحتى يطلب المزيد من العلم في كل موضع من كتاب الله عز وجل، وفي كل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} .
وقد أوضح سبحانه في هذه الآية الأخيرة أن الكفر بهذه الأصول ضلال بعيد عن الهدى، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي مواضع يذكر الإيمان بالله وحده؛ لأن جميع ما ذكر في الآيات الأخرى داخل في ضمن الإيمان بالله، وفي بعضها الإيمان بالله ورسوله، وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر فقط، وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في ذلك، فإذا ذكر الإيمان بالله دخل فيه بقية الأشياء التي ذكرها في الآيات الأخرى، كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، فمن هذا قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} ؛ فاقتصر على الإيمان بالله والكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام والكتاب المنزل من قبل، ولم يذكر الأصول الأخرى؛ لأنها داخلة في الإيمان بالله، وهكذا قوله جل وعلا: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} ، ذكر الإيمان بالله ورسوله والنور الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو الكتاب والسنة؛ لأن البقية داخلة في ذلك، فالكتاب والسنة داخلة في النور، وهكذا كل ما أخبر الله به رسوله مما كان وما يكون كله داخل في النور، وهكذا قوله جل وعلا: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} ؛ فذكر الإيمان بالله ورسوله فقط؛ وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في الإيمان بالله ورسوله.
ومما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جبريل المشهور، لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان؛ فذكر الإسلام أولا، وفي لفظ بدأ بالإيمان ثم ذكر الإسلام ثم الإحسان؛ فالمقصود أنه ذكر الإيمان بما يصلح الباطن؛ لأن الباطن هو الأساس، والظاهر تبع للباطن؛ فسمى الأعمال الظاهرة إسلاما لأنها انقياد وخضوع له، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد لأمره؛ فسمى الله سبحانه وتعالى الأمور الظاهرة إسلاما لما فيها من الانقياد لله والذل والطاعة لأمره والوقوف عند حدوده عز وجل، يقال: (أسلم فلان لفلان) أي: ذل له وانقاد، ومعنى (أسلمت لله) أي: ذللت وانقدت لأمره خاضعا له سبحانه وتعالى.
فالإسلام هو الاستسلام لله بالأعمال الظاهرة، والإيمان هو التصديق بالأمور الباطنة، وهذا كله عند الاقتران، ولهذا لما قرن بينهما في هذا الحديث الصحيح فسّر رسول الله عليه الصلاة والسلام الإسلام بالأمور الظاهرة؛ وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج، والإيمان بالأمور الباطنة؛ وهي الإيمان بالله وملائكته. الخ.