واعلم أنها تنقسم إلى فطري وإلى مكتسب:

فأما الفِطْريُّ فمنه ما يمكن تجنُّبُه بكثرة الممارسة، نحو: الحُبْسَة عند التكلُّم، فقد كان عمرو بن سعد بن أبي العاص -البليغ الخطيبِ- في أول أمره لا يتكلَّم إلا اعْتَرَتْه حُبْسَةٌ في مَنْطِقِه، فلم يزل يَتَشَادقُ ويُعَالِجُ إخراج الكلام حتى مال شِدْقُه مِنْ كثرة ذلك، ولُقِّب لذلك بـ (الأشدق) فقال فيه الشاعر:

تَشَادَقَ حتى مَالَ بالقَوْلِ شِدْقُهُ ... وكلُّ خطيبٍ لا أبا لكَ أَشْدَقُ

وقد اعتقد الناس فيه حين انتقل من الحُبْسَة إلى الفصاحة أن الجِنَّ لطَمَتْهُ على وجهِه ليتعلَّم الفصاحة، وكذلك كان اعتقادهم في الشُّعراء أن الجن تَتَراءى لهم وتُمْلِي عليهم، فقال في ذلك الشاعر:

وعمرٌو لَطِيمُ الجِنِّ وابنُ محمَّدٍ ... بأسوأ هذا الرأيِ مُلْتَبِسَان

وسبَّه رجلٌ يومًا فقال له: "يا لَطِيم الشيطان، ويا عاصي الرحمن".

ومِنْ قَبْلُ حُكِي مثل هذا التدرُّب عن ديموستين خطيبِ اليونان في عهد الإسكندر الأكبر، وقد تقدم ذلك في مقدمة قسم الإنشاء.

ونحو سقوط الأسنان، وكان عبد الملك بن مروان رحمه الله قد شَدَّ أسنانه بالذهب لما كبِرت سِنُّه وقال: "لولا المنابرُ ما باليتُ متى سَقَطَتْ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015