وفرقة أخرى جاوزت هؤلاء.. ولم تلتفت إلى ما يفيض عليهم من الأنوار فى الطريق.. ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة.. ولم يلتفتوا إليها.. ولا عرجوا عليها.. جادين فى السير.. فلما قاربوا الوصول ظنوا أنهم وصلوا.. فوقفوا.. ولم يتعدوا ذلك.. وغلطوا.. فإن لله سبعين حجابا من نور وظلمة.. ولا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب إلا ويظن أنه قد وصل.. وإليه الإشارة بقوله تعالى إخبار عن إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام إذ قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) الآية.. وما أكثر الحجب فى هذا المقام.
فأول حجاب بين العبد وربه نفسه.. فإنه أمر ربانى عظيم.. وهو نور من أنوار الله تعالى.. أعنى سر القلب الذى سيجلى حقيقة الحق كما هو حتى أنه يسمع جملة العالم كله.. ويحيط به صور الورى.. فعند ذلك سيشرق نوره إشراقا عظيما.. إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه.. وهو فى أول الأمر محجوب بمشكاة هى الساترة له.. فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله تعالى عليه..
ربما التفت صاحب القلب إلى القلب.. فرأى من جماله الفائق ما يدهشه.. فربما صرح وقال: أنا الحق.. فإن لم يتضح ما وراء ذلك.. ووقف عنك هلك.. وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح عليه الصلاة والسلام.. لما رأوا من إشراق نور الله تعالى عليه..