يشغله من أسئلة خاصة به، أو حُمِّل بها من أقصى الأرض، وزهت تلك الحلقات بأمثلة من الدارسين لم تتحقق لغير مالك، فمن مجتهد في مذهب يريد أن يسبر غور مذهب مالك، ومن تلميذ نابغة يتلقى العلم ليسطع فيما بعد إماماً له مذهبه ومنهجه، يشهد حول مالك "أربعمائة أو يزيدون" (?) من الدارسين من أنحاء المعمورة، والذين كان لاستقرار مالك في المدينة المنورة دور كبير في انجذابهم إليه، وانخراطهم في حلقاته. ومن البديهي أن يختلف ما تحمله هؤلاء التلاميذ، فمن مقل، ومن مكثر، وأن يختلف ما نقلوه عن أستاذهم في سماعاتهم بحقائق منهج مالك في تدريسه، والتي كان من سماتها عدم الإكثار في المساءلة، والبعد عن الأسئلة الفرضية، تاركاً المجال لتلاميذه؛ ليجتهدوا فيهما بعد فيما يحدث من مسائل.
أضف إلى ذلك أنه كان - كشأن الأئمة المجتهدين - يعيد النظر في فتاويه (?) كلما أعيد عرض قضية، حتى تعددت الروايات والسماعات، خاصة وأن مالكاً لم تكن صلته تنقطع بتلاميذه برحيلهم عنه، فقد كانوا يكتبون إليه سائلين، ويكتب إليهم مجيباً موضحاً (?).