ركب قريش، وفيه أبو طالب وابن أخيه – الذي لم يتجاوز الثانية عشرة بعد - شدّت انتباهه ظاهرة غير مألوفة ما لبث أن تحرك لاستكشافها، فدعا القوم لطعامه، وأكد عليهم أن لا يتخلف عنه أحد منهم ومن ثم شرع في تحريه، استقراء عن طريق العلامات المميزة، واستنطاقا بالأسئلة التي طرحها على الغلام المنشود، حتى استيقن الحقيقة التي يتطلع إليها أولو العلم من أحبار يهود ورهبان النصارى.. وهنا تنتهي قصة بحيرا لدى ابن هشام وابن كثير1 ثم يواصل الثاني حديثه عن بحيرى برواية ٌراد أبي نوح، التي تقول إن بحيرا قد أعلن قناعته بكون هذا اليتيم هو المبعوث المنتظر2.
ثم تأتي الرواية الأخرى عن رحلته صلى الله عليه وسلم بتجارة الطاهرة – خديجة - إلى الشام، حيث أتيح لفتاها ميسرة أن يرى ويسمع من خلال محمد صلى الله عليه وسلم ما ملأ قلبه إعجابا وتقديرا.
ولا تقف الرواية عند هذا الحد، بل تضم إليه أيضا بعض المشاهد الخارقة التي أحاطت بالرفيق الكريم أثناء الرحلة، من تظليل الغمامة ورعاية الملكي له.. وإخبار راهب نصراني لمسيرة بما يفيد أن رفيقه مرشح لمقام النبوة3.. حتى إذا وصل ركبهما مكة ذهب مسيرة يحدث مولاته خديجة بمرتئياته ومسموعا ته، وبخاصة كلمة الراهب، فلم تتمالك أن مضت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل تذكر له حديث ميسرة، فما كان من هذا إلا أن أكد لها توقعات الراهب قائلا: "لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة4.
وتمضي الرواية فتعرض لنا اهتمام ورقة عقيب ذلك بخبر محمد صلى الله عليه وسلم حتى ليترجم أشواقه إلى يوم إعلانه دعوته بأبيات نثبت فيما يلي بعضها:
لججت، وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود فينا ... ويخصم من يكون له حجيج
ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ... شهدت وكنت أكثركم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا