نعم. فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ للناس-أو قال: بالنّاس- ثمّ أغمى عليه، فأفاق فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس-، فقالت عائشة: إنّ أبى رجل-أسيف، فإذا قام ذلك المقام بكى، فلا يستطيع، فلو أمرت غيره. قال: ثمّ أغمى عليه، فأفاق، فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فإنكنّ صواحب -أو صواحبات- يوسف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مروا أبا بكر فليصلّ بالناس). وأن عائشة أجابته بما سيأتى وأنه كرر ذلك فكررت الجواب وأنه قال: (إنكن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصلّ بالناس)، وفى البخارى: «فمر عمر فليصلّ بالناس» وأنها قالت لحفصة أنها تقول ما قالت عائشة فقالته فقال لها: «مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس» فقالت لها حفصة: ما كنت لأصيب منك خيرا. وفى الحديث جواز الإغماء على الأنبياء كما مر لكن قيده الشيخ أبو حامد من أئمتنا بغير الطويل، وجزم به البلقينى، قال السبكى:
وليس كإغماء غيرهم لأنه إنما يستر حواسهم الظاهرة دون قلوبهم، لأنها إذا عصمت من النوم الأخف فالإغماء أولى، أما الجنون فيمتنع عليهم قليله وكثيره لأنه نقص. وألحق السبكى العمى قال: ولم يعم نبى قط، وما ذكر عن شعيب أنه كان ضريرا فلم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت انتهى. وحكى الرازى عن جمع فى يعقوب ما يوافقه. (حضرت): أى أحضرت. (فليؤذن): بسكون الهمزة وتخفيف الذال فليعلمه، وبفتح وتشديد أى: فليدعوه. وفيه أنه ينبغى أن لا يقدم القوم للإمامة إلا أفضل القوم فقها وقراءة وورعا، وفى تكرير أمره بتقديمه الدلالة الظاهرة عند من له أدنى ذوق، بل إيمان على أنه أحق الناس بخلافته، وقد وافق على ذلك علىّ رضى الله عنه وغيره من أهل البيت وهو أن عليهم. (أسيف): فعيل بمعنى فاعل من الأسف، وهو شدة الحزن والبكاء والمراد به: رقيق القلب. ولابن حبان عن عاصم أحد رواته، والأسيف: الرقيق الرحيم (يبكى): أى لتدبره القرآن ولفقده خليله صلى الله عليه وسلم وما كان يجد من أنسه وأنواره.
(فلو): للتمنى أو للشرط والجزاء محذوف. (صواحب أو صواحبات): كل منهما جمع صاحبة لكن الثانى قليل (يوسف) على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام أى فى إظهار خلاف ما فى الباطن، أو التعاون على ما يرونه وكثرة إلحاحكن على ما تملن إليه، ثم هذا الخطاب، وإن كان بلفظ الجمع، فالمراد به واحدة،