. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إيذائه كفر ألا ترى إلى عامر ممن جذب رداءه حتى أثر فى عنقه فعفى عنه وأعطاه وحمل بعيره؟ والحاصل: أن إيذائه إنما يصدر من مسلم جاف، وهذا له نوع عذر، فلم يكفر وعفى عنه، أو من منافق وقد أمر بتحمل أذاهم لئلا تنفر الناس عنه كما قيل ذلك له، وقد قيل له: «ألا تقتلهم؟ فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» أو من كافر معاهد فمصلحة تألفه اقتضته عدم مؤاخذته لجريمته أو حربى وهو غير ملتزم للأحكام، ولبعضهم هنا ما لا يفهم لعدم إحاطته لكلام الأئمة فاجتنبه. (من أشدهم) من زائدة، لأنه كان أشدهم كما صرحت به روايات أخر كذا قيل: ومر فى «من أحسنهم» ما يرده، وإن كونه من أشدهم، لا ينافى كونه أشدهم غضبا فينتقم ممن ارتكب ذلك لما علمت، أنه لا يقبل العفو من المحارم التى ينتقم لها، ولا يعفو عنها حتى الآدمى، إذا صمم فى طلبه، وفيه الحث على العفو، والحلم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله، وأنه يسن لكل ذى ولاية التخلق بهذا الخلق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حق الله، على أنهم أجمعوا على أن القاضى لا يجوز له أن يقضى لنفسه، ولا لمن تقبل شهادته له، ولا ينافى ما فى الحديث، أمره صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل ونحوه، ممن كان يؤذيه، لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله، أو أن عفوه إنما كان فى ذنب لا يكفر به مرتكبه، كمن جفى فى رفع صوته عليه، ومن جذبه بردائه حتى أثر فى رقبته صلى الله عليه وسلم، بخلاف أولئك، فإنهم كفروا بإيذائه، فلم يمكن العفو عنهم، ومن ثم اقتص صلى الله عليه وسلم ممن نال من عرضه، ولا يرد ذلك مجاوزته عن المنافقين مع ما قصه الله عنهم، وما هو مشهور من أحوالهم معه، لأنهم كانوا مسلمين ظاهرا فخشى من تحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه، وروى الحاكم «ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بذكر-أى بصريح اسمه-وما ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يضرب فى سبيل الله، ولا سئل شيئا قط فمنعه، إلا أن يسأل مأثما، ولا انتقم لنفسه من شىء، إلا أن تنتهك حرمات الله فتكون لله فينتقم».
(وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) إلخ أى إما بأن يخبره الله فيما فيه عقوبتان، فيختار الأخف، أو فى قتال الكفار وأخذ الجزية، فيختار أخذها، أو فى حق أمته فى المجاهدين فى العبادة والاقتصاد، فيختار الاقتصاد، وإما بأن يهمزه المنافقون والكفار فعلى هذا يتضح قولها. (ما لم يكن مأثما) أى مؤثما أى: إثما، كما فى رواية البخارى، ومنها أيضا: «فإن كان إثما كان أبعد الناس منه»، وفى رواية للطبرانى: «ما لم يكن لله