عن عائشة قالت:

«دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى امرأة. فقال: من هذه؟ قلت: فلانة، لا تنام اللّيل. فقال: عليكم من الأعمال ما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يدوم عليه صاحبه».

ـــــــــــــــــــــــــــــ

صوما أو غيرهما. (فو الله) فى رواية: فإن الله (لا يمل حتى تملوا) بفتح أوليهما وثانيهما، وفى رواية: «لا يسأم حتى تسأموا» (?) بمعنى واحد، وهو فتور يعرض للنفوس كثرة مداومة شىء فيوجب الكلام فى الفعل أو النفرة عنه. ولاستحالة هذا فى حقه تعالى لتنزهه عن سائر سمات المحدثات، وإنما ذكر فيه للمشاكلة نحو. تَعْلَمُ مافِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مافِي نَفْسِكَ (?)، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (?) وجب أن يراد به فى حقه تعالى غايته وهى أن لا يعامل عبيده معاملة المالّ فيقطع عنهم ثوابه وبسط جزائه وإنعامه حتى يقطعوا عملهم ثم يقطع عنهم ذلك فعلم أن المراد أمرهم بالاقتصاد فى العمل دون الزيادة فيه، لئلا يسأموا منه فيعرض الله عنهم، وقيل: المعنى: عليكم بالاقتصاد، فإن فعلتموه مع الملال يعرض الله عنه، فلا يتقبله، لأن فاعله كالغافل والساهى عنه بل أقبح بخلاف ما كان مع نشاط النفس وإقبالها عليه بكليتها، فإنه يقبله لتوجهه إليه على أكمل الأحوال، وقيل: المعنى لا يمل إذ لو مل حين تملوا لم يكن له عليهم مزية وفضل، ورده: بأن هذا المعنى لا يناسب اللفظ أصلا والمزية والفضل عليهم واضحان لمن له أدنى بصيرة، وقيل: المعنى لا يقطع عنكم فضله حتى تقطعوا سؤاله، وفى الحديث: الحث على الاقتصاد فى العمل وكمال شفقته ورأفته صلى الله عليه وسلم حيث أرشدهم لما يصلحهم مما يمكنهم المداومة عليه من غير كثير مشقة وضرر انبساط النفس وانشراح الصدر، وهو غاية الكمال فى العبادة بخلاف تعاطى المشاق، فإنه يصحبه ضد ذلك بتفوته الخير العظيم، وقد ذم الله تعالى من فرط فى عبادة اعتادها بقوله تعالى: فَمارَعَوْهاحَقَّ رِعايَتِها. (أحب) يجوز رفعه ونصبه وإن قل، لأنه خير من كثير منقطع، إلا بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله سبحانه وهذه ثمرات تزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة قيل: المناسب ذكر حديث المداومة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015