عن أنس بن مالك:
«أنّ رجلا من أهل البادية، كان اسمه زاهرا، وكان يهدى إلى النّبى صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهّزه النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّه وكان رجلا دميما. فأتاه النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه واحتضنه من خلفه ولا يبصر. فقال: من هذا؟ أرسلنى. فالتفت، فعرف النبىّ صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبىّ صلى الله عليه وسلم حين عرفه. فجعل النّبىّ صلى الله عليه وسلم يقول: من يشترى العبد؟ فقال: يا رسول الله إذا والله تجدنى كاسدا. فقال النّبى صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد» أو قال:
«أنت عند الله غال».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من ثمارها ونباتها وغير ذلك (فيجهزه) أى فيعطيه من الطرف والمستحسنات ما يتجهز به إلى أهله مما يعينه به على كفايتهم والقيام بتمام مصالحهم. (أن يخرج) أى إلى وطنه.
(باديتنا) أى نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته من أنواع الثمار والنبات فصار كأنه باديته وقيل: تأوه للمبالغة، وقيل: من إطلاق اسم المحل على الحال. (حاضروه) أى نعد له ما يحتاجه من البلد، وقيل: المراد أنه لا يقصد له الرجوع إلى الحضر إلا مخالطتنا، لا أن يهيأ له ما يريد من الحضر، لأنه لا يليق بالمنعم ذكر إنعامه انتهى، وفيه نظر، لأن ما قلناه هو مقتضى مقابلة باديتنا بنحن حاضروه، وزعم أنه لا يليق ليس فى محله، لأن محل ذلك إذا كان فيه منّ إيذاء للمنعم عليه، كأن كان لا يحب ذكر المنعم لما أنعم به عليه أما إذا كان يحب ذلك، بل هو مطلوب أى مطلوب وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«تهادوا تحابوا» (?). والبادى: المقيم بالبادية والحاضر: المقيم بالحاضرة، وهى المدن والقرى فيما يقبح الوجه كريه المنظر. (واحتضنه) أى أدخله فى حضنه، وهو ما دون الإبط إلى الكشح. (من خلفه) أى جاء من ورائه وأدخل يده تحت إبطى زاهرا فاعتنقه.