لقد أدرك الإسلام أربعة أعمام للنبي صلى الله عليه وسلم، فآمن منهم اثنان وكفر اثنان، فاللذان آمنا هما حمزة والعباس، واللذان كفرا أبو لهب وأبو طالب، فـ أبو لهب كان عدوا وأمره مقضي.
وأما أبو طالب فناصر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ذكروا من شفقته أنه لما كانت قريش قد حاصرت النبي صلى الله عليه وسلم في شعب بني هاشم كان يأتي في الليل فيحمل النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم ويجعله ينام في مكان، ثم يأتي بأحد أبنائه ويجعله ينام في مكان النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا بيت قرشي لم يستطع قتل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في تلك الأيام كان لا يوجد ضوء، فيعرف في أول الليل أين بات النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أراد أن يقتله ليلاً قتل ابنه، ولا يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] ومحبة الكافر غير جائزة، فليست المحبة في قوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] بمعنى: توده، ولكن المفعول به محذوف، أي: إنك لا تهدي من أحببت هدايته، أي: إنك لست قادراً على أن تهدي من تحب له الهداية، ومن تحب له الخير ومن تحب له أن يتبع صراطك المستقيم.
وقريش قد صنعت كل شيء لآلهتها إلا السجود، فلم تضع جباهها لها لما فيها من أنفة، وكان أبو طالب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كلما في دينك حسن إلا أنني أضع جبهتي وأرفع عجيزتي، وكان يقول: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لو جدتني سمحا بذاك يقينا في قصيدة طويلة يثبت فيها أنه مقتنع بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كانت قريش تأتيه من جانب الأنفة فيقولون: أترغب عن دين آباءك أترغب عن دين عبد المطلب؟! حتى مات وهو يقول: هو على دين عبد المطلب.
فهذا تنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الشفاعة لأهل النار من الكفار منتفية؛ لأن الله تعالى يقول: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48].
لكن استثني أبو طالب استثناء جزئياً، وهو يكون أهون أهل النار عذاباً بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له.
وليعلم أن النار مخلوقة خلقها الرب تبارك وتعالى، فالسبيل الأعظم للنجاة منها أن نسأل من خلقها أن يجيرنا منها.
وقانا الله وإياكم لفح جهنم، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.