إن أعظم ما يتمناه أهل النار -عياذاً بالله-: شربة الماء، قال الله جل وعلا بعد أن ذكر في الأعراف نداءات عدة: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50].
ومن هنا أخذ العلماء أن الصدقة إذا أطلقت فإنها أفضل ما تكون في الماء، وثمة أحاديث تؤيد هذا المعنى، فأعظم ما يطلبه أهل النار، وأول ما يطلبونه من أهل الجنة كما نصت الآية هو الماء، فيجيبهم أهل الجنة: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا} [الأعراف:50] أي: الماء أو الطعام {عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأعراف:50 - 51] إلى آخر الآية.
ثم إنهم يستغيثون في النار نفسها، قال الله تعالى الكهف: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا} [الكهف:29] واقعة في جواب الشرط {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29].
فهنا يغاثون بماء كالمهل، أي: في منتهى الحر كالزيت، فيقرب منهم ليشربوه، فقبل أن يرفعوه بأيديهم إلى أفواههم تسقط فروة جلودهم من حر هذا الحميم، فكيف إذا شربوه أعاذنا الله وإياكم من هذا.