ومما يتصل بالحديث عن الجنة شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه عيناً بدخول الجنة، والعاقل إذا سمع أو بلغه خبر نبوي فإنه يتأمله حتى يستفيد منه عملياً، وإلا كان هذا العلم حجة عليه.
يقول صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة) وعد العشرة، والعشرة إنما سموا بالعشرة المبشرين؛ لأنهم سيقوا في حديث واحد، وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لغيرهم بالجنة، فشهد بالجنة لـ بلال رضي الله عنه وأرضاه وقال: (ما دخلت الجنة قط) أي: في الرؤيا (إلا ووجدت دف نعليك أمامي- أو قال: سمعت خشخشتك في الجنة) ثم قال: (يا بلال! أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام.
فقال: إنني ما توضأت وضوءاً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت ما كتب الله لي أن أصلي).
فظاهر الأمر أن هذا كان سبباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، ولم يقل له: لا أظنه، فهذا سبب عظيم من أسباب دخول الجنة.
وكان حارثة بن نعمان رضي الله عنه باراً بأمه، فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجاً عظيماًَ في الجهاد في سبيل الله، فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه قال عنه عليه الصلاة والسلام: (لمناديل سعد في الجنة أعظم من هذا) يشير إلى حرير أهدي له صلوات الله وسلامه عليه، وكان سعد رضي الله عنه وأرضاه قد بذل جاهه وقلبه ونفسه في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى.
فتحرر من هذا أن الوضوء وبر الوالدة من أعظم أسباب دخول الجنة التي شهد بها النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء أعياناً.
أما عامة الصحابة فمشهود لهم من حيث العموم، لقول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18].
وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) فمن لن يلج النار سيكون في الجنة، ولكن لا يشهد بالتعيين إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم.