ثم ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء واضعاً يديه على أجنحة ملك إذا طأطأ رأسه يظهر لرائيه كأنه يتحدر منه ماء الوضوء، يقول عليه الصلاة والسلام: (كأنه خارج لتوه من ديماس) والديماس: الحمام، وهو ليس بخارج لتوه من ديماس (فإذا رآه عدو الله -أي: الدجال- ذاب كما يذوب الملح في الماء)، إلا أن عيسى يتبعه بحربة تكون معه فيقتله حتى يطمئن الناس من أن الدجال قد مات؛ لأن مكوثه في الأرض أربعين يوماً أثر في الخلق وفي قناعات في الناس، فإذا قتل ولصق دمه بالحربة تزول كل تلك القناعات، ولو جاء عيسى وقال: إنني قتلته قد لا يقع في قلوب الناس بعض التصديق، وهذه سنة لله ماضية في خلقه، فالله جل وعلا لما أهلك فرعون نجاه ببدنه حتى يرى الناس عياناً أن فرعون الذي كانوا يزعمون من قبل أنه إله ميت هالك، قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] فلو أن البحر ابتلعه لقال الناس: مفقود، وقد ذهب وسوف يعود، أو استعان بالملائكة، فتجول حوله الأساطير، ولكن الله جل وعلا أخرجه بجسده ونجاه حتى يكون لمن خلفه آية، وحتى يقتنع الناس بأن فرعون قد مات، ونفس السنة تجري على الدجال، فيرى الناس دمه في حربة عيسى فيطمئنوا بأنه قد قتل.