يقول صلى الله عليه وسلم في أحاديث شتى عن الدجال: (يمر بالحي فيصدقونه -أي: يؤمنون به- فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يوهم ذلك أسمن، كانت وأعظمه، وأمده خواصر وأدره ضروعاً) قال: (ويمر بالحي فيدعوهم فيردوا عليه قوله، فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبه كنوزها)، وذلك لأن المدن والقرى في شتى الأرض من قديم الزمان عاش فيها أقوام وجاءت دول وذهبت أمم، وقد يكون فيها أشياء مدفونة في الأرض لا يعلمها أحد، قال: (فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) وهي إما جماعات النحل وإما ذكورها، ولا ريب في أن الناس إذا رأوا هذا دخل في أنفسهم كثير من الشبهات، فيرون أن هذا يمكن أن يكون إلهاً، ومن ذلك أن الله جل وعلا أعطاه القدرة على الاستعانة بالشياطين، فيأتي إلى الأعرابي في البادية فيقول له: أنا ربك.
فيكذبه الأعرابي، فيقول له: أرأيت لو أنني أحييت لك أباك وأحييت لك أمك أكنت تؤمن بي؟ فيقول: نعم، فيتمثل الشيطان الذي يعين الدجال في هيئة أب ذلك الأعرابي، ويتمثل شيطان آخر في هيئة أمه، فيقول الدجال له: هذا أبوك وهذه أمك.
فيؤمن به، فتذليل الشياطين له من أسباب فتنة الناس به.
وكذلك سرعته في الأرض؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سُئل عنه: (كالغيث استدبرته الريح)، كناية عن سرعة تجواله في الأرض، حتى يأتي المدينة ولها يومئذ سبعة أبواب، فإذا جاء من الباب الذي هو جهة جبل أحد ضربته الملائكة على وجهه وترده إلى الشام ليهلك، فيخرج من المدينة إلى الشام، وفي الشام يهلك على يد عيسى ابن مريم كما سيأتي في آخر الخبر.
ومن فتنته أنه معه نهران -كما في صحيح مسلم من حديث حذيفة - ماء ونار، فالذي معه على أنه نار ترى رأي العين هو ماء أبيض عذب، والذي معه على أنه ماء يُرى رأي العين هو نار تتأجج، أي: ماؤه نار وناره ماء.
والنبي عليه الصلاة السلام شفيق بالأمة، والإنسان إذا كان فيه حدبة وشفقة بالناس فإنه لا يذكر أشياء عظيمة جداً يبحث الناس عنها في المعاجم حتى يعرفوا مراده، وإنما يأتي بالأمور ميسرة؛ لأنه يريد إنقاذهم، ولا يريد أن يبين فصاحته وبلاغته، فقال صلى الله عليه وسلم: (فإما أدركن أحد) أي: إذا أدرك أحد منكم الماء والنار (فليغمض عينيه) يعني: إذا ابتليت بهذا فاغمض عينيك، والإنسان إذا أغمض عينيه لن يرى النار على أنها نار أبداً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد).
ولهذا الأمر مثال يسير، وهو أنك في بيتك إذا أردت أن تعطي ابنك الدواء لمصلحته فإن الابن إذا رآك تخلط الأدوية فإما أن يشمئز، وإما أن يخاف، وإما أن يفزع، فتقول له وأنت تريد منه أن يشرب اغمض عينيك حتى يسهل عليه الشرب، ولا ما يرى ما يشربه فيمنعه ذلك من الشرب.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء يعرفه الناس، فقال: (وليغمض عينيه)؛ لأنه لو فتح عينيه سيراه ناراً، فإذا طأطأ رأسه وشرب سيجد أنه ماء عذب وليس بنار كما يرى، بخلاف الأول، وهذا مما أعطاه الله جل وعلا للدجال.