ذكر النفخ في الصور

قلنا: إن اتصال الروح بالجسد يكون أحيانا وينقطع أحيانا، وأن العذاب أو النعيم يقع على الروح والجسد مجتمعين، ويقع أحيانا على الروح دون الجسد، ثم تكون نفخة الصعق، وهذه النفخة ينتظرها الآن ملك يقال له إسرافيل، قد التقم القرن وحنى الجبهة، وأصغى الأذن ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ، وقد قال الصحابة: (يا رسول الله! ماذا نقول؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل).

والملائكة يشتركون جميعاً في أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، إلا أن المهام التي أسندت إليهم، والمقام الذي ينتهي إليه كل أحد منهم يختلف بحسب منازلهم، وما أفاء به الله جل وعلا عليهم، وما كلفهم الرب تبارك وتعالى به، وإسرافيل ملك كريم أسند إليه النفخ في الصور.

فينفخ إسرافيل في الصور، فيكون الحال كما قال تعالى: {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْض} [الزمر:68]، ثم استثنى جل جلاله فقال: {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} [الزمر:68]، وهذه نفخة الصعق الأولى، وتعقبها نفخة بعث، واختلف العلماء هل قبل نفخة الصعق تكون نفخة الفزع التي ذكرها الله جل وعلا في سورة النمل؟ فبعضهم يرى أنها الثانية هي المسماة بنفخة الصعق، وبعضهم يرى أنها نفخة ثالثة للاثنتين، وظاهر القرآن أنهما اثنتان فقط، والعلم عند الله.

فينفخ إسرافيل فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، واختلف العلماء في قول الله جل شأنه: {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} [الزمر:68] فذهب بعض العلماء إلى أن المستثنين في الآية هم من يقطن الجنة من أهلها، كالحور العين والغلمان المخلدون، وما في النار من حيات وعقارب -نعوذ بالله من ذلك-، وهذا القول ينسب إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

وقال بعض العلماء: إن المستثنين هم إسرافيل وجبريل وميكائيل رؤساء الملائكة، وهذا القول ينسب إلى مقاتل بن سليمان أحد أئمة السلف في التفسير رحمه الله تعالى، وعنده في هذا أحاديث، ولكن ثبوت صحة هذه الأحاديث فيه نظر عند أهل الصناعة الحديثية.

والذي يظهر -والعلم عند الله- أن الاستثناء لبيان القدرة، ولكن التوقف في مثل هذا أفضل لعدم وجود مرجحات تجعلنا نقطع بيقين، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عندما ذكر النفخة الثانية: ((فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذاً بقوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور أم كان ممن استثناه الله))، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أدري فالمتبعون هديه عليه الصلاة والسلام من ورثته من العلماء أولى بأن لا يدروا.

فهذا الاستثناء نتوقف في الجزم فيه، ولكنه قد يكون له معنى مقصود بأقوام كما بينا، وقد يكون المقصود به بيان القدرة الإلهية.

ثم تكون النفخة الثانية، ومابين النفختين أربعون سنة أو أربعون شهراً أو أربعون يوماً، لم يجزم أبو هريرة في نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015