بكلامهم خلقة لما أمكنهم الانتقال عنه، ولكن في طبع الإنسان النطق وأن يتكلم بكلام ما فهو يتكلم بكلام من نشأ بينهم ويعتاده حتى يصير كالمنطبع عليه. فإن انتقل إلى قوم آخرين كان جائزًا أن يتكلم بكلامهم كما ترى الواحد منا يتكلم بألسنة كثيرة، وهذا بين واضح.

ولا بد لمن نظر في العربية من معرفة الاشتقاق والقول به ضرورة في ما ينصرف وما لا ينصرف، وفي التصاريف والجموع والمصادر، مثال ذلك: أن يقال لمنكر الاشتقاق القائل بالعربية والمدعي العلم بها، والملتزم مذاهب العلماء بها في ذلك أن يقول: إن واو مضروب وميمه وألف ضارب زوائد أم أصول؟ فإن قال هي أصول ولا زوائد في هذين الاسمين خالف جميع النحويين وأهل اللغة، وخرج إلى طريقة من لا يكلم لأنه غير سالك مذاهب القوم، ولكنا نقوده ضرورة إلى أن يقر بزيادتها فنقول له: فما وزن مضرون وضارب عندك إن كانت حروفهما كلها أصولاً فمثله بما يكون أصلاً؟ ولن يجد سبيلاً إلى تمثيل ذلك لأنه ليس في كلام العرب اسم على وزن ضارب ومضروب وحروفه أصول كلها فيمكنه إلحاقها به.

وإن قال: أقول إن واو مضروب وميمه زائدتان وألف ضارب زائدة. قيل له: أفتقول إن الزائد قبل الأصلي أو الأصلي قبل الزائد؟ ولا سبيل له إلى إدعاء سبق الزائد للأصلي، فيلزمه أن يقول: الأصلي سابق للزائد. فقد بان أن ضاربًا ومضروبًا مشتقان من شيء سابق لهما لا زائدة فيه، وهو الذي اشتقا منه.

ونسأله مثل ذلك في ظريف وعجوز ومستضرب ومتضارب وضراب ومضراب وكريم وما أشبه ذلك من الصفات المشتقة من الأفعال. ونقول له أيضًا في مثل: حسان، وتبان، وشيطان، ودهقان أتصرفه أم لا؟ فإن قال: ما أصرف هذه الأسماء كلها. قيل له: خالفت العرب والنحويين أجمعين لأنهم قد أجمعوا على أن هذه الأسماء إن أخذت من الحس، والتب، والتشيط، والدهق كانت غير مصروفة في المعرفة لزيادة الألف والنون فيها، وإن أخذت من التبن، والحسن، والشيطنة، والدهقنة كانت مصروفة في النكرة والمعرفة لأن النون فيها أصلية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015